ما هذا الذي رأينا في مباراة ألمانيا والسويد.. ما هذا الإبداع.. لماذا يغلفنا الحزن أن كل العرب ودعوا.. فليودعوا وليبقَ هؤلاء.. إنها كرة من عالم آخر ومدارات أخرى، وطالما أن الكرة لأجلنا فدعونا نستمتع.. دعونا نرى كم يسبقنا العالم، وكم يمتعنا العالم، وكم يبهرنا بكرة لم نرها إلا لديهم. في مباراة ألمانيا والسويد، كانت السماء ناراً، وآهات، وإبداعاً، وفرصاً تواصلت من أولها إلى آخرها، وإثارة حبست الأنفاس وجعلت المشاهدين حول الشاشات كأولئك الجالسين هناك في المدرجات.. لا أحد يصدق ما يرى. هو فعلاً مونديال الوقت القاتل، وأجمل الأهداف جاءت بعد الدقيقة 90، وأجملها على الإطلاق كان هدف توني كروس قائد الألمان الذي أنصفته الأقدار، ليعود ببلاده من الباب الضيق جداً، بهدف عبقري جداً من زاوية شبه مستحيلة. كان من الظلم خاصة بعدما رأينا، أن تودع ألمانيا المونديال، ورغم صدمتها بطرد أحد لاعبيها في وقت قاتل، إلا أنها أثبتت أن للبطولات رجالها، وأن «المانشافت» من مفردات كأس العالم، وأن البطل قد يعاني، لكنه لا يقبل بسهولة أن يكون خارج الحسابات، وأن المستحيل قد يكون ما سواه إلا هو.. وحدها ألمانيا هي القادرة على أن تصنع هذا السحر الذي رأينا، أمام منتخب ليس بالهين إطلاقاً، كان هو الآخر قاب قوسين أو أدنى من التعادل أو الفوز، لولا أن هدف كروس كان كالصاعقة التي أعادت المنطق لحسابات المجموعة السادسة، ووضع «المانشافت» على أبواب التأهل للدور الثاني. هناك معانٍ نرددها في الكرة، وقد نطلقها لدينا مجازاً، لكنك لا يمكن أن تراها وهي تتجسد إلا في مثل تلك المباريات، ككبرياء البطل، والأسد الذي يمرض ولا يموت، وانتصار الإرادة.. مباراة ألمانيا والسويد كانت اختزالاً حقيقياً ومبهجاً لما يجب أن تكون عليه الكرة.. مباراة تصلح لتكون نموذجاً للكمال في اللعبة.. تصلح نهائياً وختاماً ووجبة دسمة ومعزوفة ولوحة فنية.. هي المباراة التي جمعت كل شيء، ولم ينقص منها شيء. استحق توني كروس أن يكون صاحب هدف الحسم، وهو أكثر الأهداف تأخراً للمانشافت طوال مشاركاتهم في كأس العالم، قياساً بما بذله من جهد في المباراة، بعد أن أكدت الإحصائيات أنه لمس الكرة 144 مرة خلال المباراة، وهو أيضاً رقم لم يصل إليه أي لاعب في ألمانيا منذ العام 1966.. كروس القانع كثيراً بدور الرجل الثاني، سواء مع ناديه ريال مدريد أو حتى مع المنتخب، يعنيه أن يقدم ما عليه وكفى.. انتفض أخيراً، ورغم أنه ليس من فئة الهدافين، إلا أنه أحرز هدفاً لا يصنعه أعتى الهدافين.. هكذا الأقدار حين تكافئ من يكافح.. حين تعطي من يعطي.. حين يصبح وحدهم الرجال.. من يستطيعون تحقيق الآمال. كلمة أخيرة: أنت من تصنع الممكن والمستحيل.. نحن من اخترع المسميات ومن صدقها