تعيدنا قراءة ديوان (الطائر الذي ابتل بماء الشمس) 2010 للشاعر العراقي محمد كاظم جواد (بابل1957) إلى ما يشغل جيله، ويهيمن على ذاكرته الشعرية ويصنع خياله وصوره، وهي الحرب بتنويعاتها كواقعة خارجية عاش تفاصيلها، فغدت واقعة شعرية يتم تمثلها في الديوان الذي لم تخل نصوصه - وإن بطريق التلميح – من مشاهد الحرب وتداعياتها، وما أهدر فيها من أيام وأحلام، صارت جزءاً من قاموسه الشعري، و دلالاته. جيل أكلت عمره الحروب التي ليست لعبته ولا ميدان فحولته كما يراد لها أن تكون في الخطاب المتخلف الذي أجج نارها، فراح يصطنع الجنون هرباً منها مثل أوديسيوس الذي يحرث حقلًا مملوءاً ملحاً كي لا يذهب للحرب، حتى وضعوا ابنه أمام المحراث، والشاعر بعد تعديل الأسطورة التي لا يذكرها تفصيلاً، بل يحيل إليها بتلميح يقول: (جرّتني الحرب/ من ياقتي المهترئة / فتوسلت إليها/ كنت حينئذ/ أحرث بحر الموت / وأنثر فيه بدل الملح/ أقراص النوم/ لكنها وضعتني أمام المحراث). لقد هرب محمد كاظم بلعبة صورية بعيداً عنها، متحدثاً عن طائر ابتل بماء الشمس، كما يصرح العنوان المأخوذ من عنوان إحدى القصائد، وكما يرد في قصيدة أخرى (ترنيمة الجسر القديم) لكن هذا الطائر ملاحق برؤى الحرب وكوابيسها؛ فالبلاد مبتلاة بأناشيد الحرب والنياشين التي يزهد بها الشاعر ويراها (تزيد من شهية القتل). وهذا الاحتراق في الحروب لا تطفئه الأيام ولا يمحوه النسيان .على العكس يبدو الزمن في الديوان مرتكزاً أساسياً للوعي بما حصل، وبه تبدأ أولى القصائد (عثرات) حيث الليل يعوي في بحر الحروب؛ لتنتهي بقصيدة (الفجر) في الختام. وبين هذا الليل الذي يئد الأحلام والصباح الذي ينهش خاصرته تضج القصائد بمفردات زمنية ربما احتشدت في صفحة واحدة، بل صار تقليب مفردة الحرب مناسبة لحضور نقيضها، لتغدو: (البحر / الرحب والحرب والحبر) / فالبحر الرحب والحبر صارا حرباً بالمجاورة والجناس الناقص بينها بلاغياً، لكنه تجانس دلالي يريده الشاعر الذي يستخدم على مستوى التقنية الشكلية كل متاح دون تحفظ، فثمة قصائد موزونة قصيرة وأخرى قصائد نثر وبينهما نقرأ ما يهرب من التجنيس، بل يمكن قراءته بإيقاع لا يدع شعوراً بغياب الوزن أو تغييبه، كما يلجأ الشاعر للسرد الذي يؤثث القصائد بتعيينات نصية تخفف من فضاء الصورة وامتداداتها اللغوية واستكمالاً لرؤيته كما في قصيدة (أحلاف) وفي قصيدة (الإرث) التي تحكي عن أغنية قديمة وصندوق عتيق يرثهما عن أبيه ويتنافس عليهما التجار، بينما يهرب، في نبذ رمزي للتركة؛ فيجد في قصيدة أخرى إرثه في بابل (جذر الروح) التي (تنتظر المطر الساقط من غيم الكلمات) والتي طالما تساءلت عن وجودها الواقعي في ذاكرة شعرائها وثقافتهم البصرية.