الأمانة هي أداء الحقوق، والمحافظة عليها، فالمسلم يعطي كل ذي حق حقه؛ ويؤدي حق الله في العبادة، ويحفظ جوارحه عن الحرام، ويرد الودائع لأهلها وهي خلق جليل من أخلاق الإسلام، وأساس من أسسه، فهي فريضة عظيمة حملها الإنسان، بينما رفضت السماوات والأرض والجبال أن يحملنها لعظمها وثقلها، يقول تعالى: “إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنا وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلومًا جهولاً”. وقد أمرنا الله بأداء الأمانات، فقال تعالى: “إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها”، وجعل الرسول صلى الله عليه وسلم الأمانة دليلا على إيمان المرء وحسن خلقه، فقال صلى الله عليه وسلم: “لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له”. وقد صنفت الأمانة إلى عدة فئات وأنواع وهي الأمانة العظمى، وهي أمانة الدين والتمسك به، وتبليغ هذا الدين أمانة أيضاً، فالرسل أمناء الله على وحيه، وكذلك كل من جاء بعدهم من العلماء والدعاة، فهم أمناء في تبليغ هذا الدين، والأمانة الأخرى هي أمانة أولياء الأمور وحفظ الوطن من كل مكروه، كما أن الأمانة ترطبت بكل ما أعطاك الله من نعمة فهي أمانة لديك يجب حفظها واستعمالها وفق ما أراد منك المؤتمن، فالبصر أمانة، والسمع أمانة، واليد أمانة، والرجل أمانة، واللسان أمانة، والمال أمانة، فلا ينفق إلا فيما يرضي الله. ومن الصفات التي تُربط بالأمانة، صفة تأنيب الضمير ومحاسبة النفس إذا أخطأت أو أخلت بهذا الدّين، فهناك أشخاص يتمسكون بهذه الصفات ويعملون بها حتى لو كانت لا تخصهم أو تمت لهم بصلة، ويؤنبون النفس ويعاقبونها إذا أخلت بهذا الشيء، ومن القصص التي عرفت بهذا الشأن قصة الرجل الذي أكل تفاحة من بستان؛ فبينما كان الرجل يسير بجانب البستان وجد تفاحة ملقاة على الأرض فتناول التفاحة وأكلها، ثم حدثته نفسه بأنه أتى على شيء ليس من حقه فأخذ يلوم نفسه، وقرر أن يرى صاحب البستان فإما أن يسامحه في هذه التفاحة أو أن يدفع له ثمنها، وذهب الرجل لصاحب البستان وحدثه بالأمر فاندهش صاحب البستان لأمانة الرجل. ?وقال له: ما اسمك؟ قال له: ثابت. قال له: لن أسامحك في هذه التفاحة إلا بشرط أن تتزوج ابنتي، واعلم أنها خرساء عمياء وصماء ومشلولة ?فإما أن تتزوجها وإما لن أسامحك في هذه التفاحة؛ فوجد ثابت نفسه مضطرا يوازي بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة؛ فوجد نفسه يوافق على هذه الصفقة، وحين حانت اللحظة التقى ثابت بتلك العروس وإذ بها آية في الجمال والعلم والتقوى؛ فأستغرب كثيرا لماذا وصفها أبوها بأنها صماء ومشلولة وخرساء وعمياء، فلما سألها قالت: أنا عمياء عن رؤية الحرام، خرساء صماء عن قول وسماع ما يغضب الله، ومشلولة عن السير في طريق الحرام، وتزوج ثابت بتلك المرأة، وكان ثمرة هذا الزواج ?الإمام أبو حنيفة النعمان. Maary191@hotmail.com