المنطق يقول إن دولة تستقبل كل يوم آلاف القادمين من الخارج للإقامة والعمل، بما في ذلك عمال لا يحملون شهادات ولا يتمتعون بمهارات ولا يملكون خبرات من أي نوع، هي بالتأكيد دولة تعاني من وفرة هائلة في فرص العمل تتجاوز بكثير مواردها البشرية، وأنها بالتأكيد أيضا لا يوجد بين أبنائها عاطل عن العمل سواء كان ممن يحملون مؤهلات عليا أو متوسطة أو حتى ممن لا يجيدون سوى القراءة والكتابة· المنطق يقول ذلك، والواقع يقول غير ذلك، بل إن الصورة في سوق العمل تبدو شديدة الغرابة·
وحتى وقت قريب كان الحديث عن التوطين وعن توفير فرص عمل لحوالي 30 ألف مواطن ومواطنة وربما أكثر من ذلك بكثير، هو حديث غير المؤثر وغير المفيد، فالمشكلة في المواطن الباحث عن عمل وليس في من يسد أمامه أبواب الرزق، الشاب المواطن الإماراتي دونا عن أي شاب مواطن آخر في أي مكان على وجه الأرض غير مؤهل للعمل، وإذا كان مؤهلا فهو لا يريد أن يعمل، وإذا وافق على العمل فهو يبالغ في طلباته، وإذا التحق بعمل بالفعل لا يلتزم و لا يجتهد، الوافد وحده هو من يحتكر كل ذلك، هو الوكيل الحصري للإبداع والإخلاص والتفاني·
الذين روجوا لهذه الأكاذيب، وللأسف بينهم مواطنون، يجب أن يشعروا بالخجل من أنفسهم وهم يتابعون تفاصيل تجربة 'مندوب العلاقات العامة' التي أطلقتها وزارة العمل والشؤون الاجتماعية لتؤكد أن التوطين لن يتحقق بالأمنيات والنوايا الطيبة، ولكن بالقرارات الملزمة·
لن نتحدث عن الإعلانات التي أصبحنا نطلعها لأول مرة في صحفنا المحلية لشركات تبحث عن مندوبي علاقات عامة مواطنين، لن نستعرض تفاصيل إقبال الشباب على هذه الوظيفة، لن نتوقف طويلا أمام موقف الشركات التي كانت تماطل وتتحايل على أي محاولة تستهدف إشراكها في استيعاب شباب الوطن الذي تعمل على أرضه وتنتفخ جيوب أصحابها من خيره، والتي أصبحت تهرول الآن بحثا عن مندوب مواطن بعد أن رأت لأول مرة 'العين الحمراء'، لن نتوقف طويلا عند كل ذلك، فكلها أمور كانت متوقعة· المشهد الذي يستحق التوقف والتأمل والإعجاب هو تقدم عشرات الفتيات المواطنات للعمل في مهنة مندوب علاقات عامة رغم ارتباط هذه المهنة تحديدا بالذكور ورغم عدم وجود سابقة لاشتغال فتاة مواطنة في هذا المجال من قبل· الفتاة المواطنة التي نالت النصيب الأوفر من الاتهامات الجائرة التي استهدفت النيل من قدراتها وطموحاتها وحماسها ورغبتها في خدمة وطنها·· أكدت عمليا أنها خير من يقدر قيمة العمل وأنها قادرة وراغبة في ممارسة أي عمل شريف يفتح أمامها أبواب خدمة بلدها وأهلها·