سيظل غياب التدريب المهني للكوادر الوطنية أبرز المعوقات التي تواجه التنمية الوطنية، وعلى الرغم من الاجتهادات الأكاديمية التي تناولت هذا المحور والتي تركزت في مجملها على ضرورة إفساح القطاع الخاص مجالات التوظيف أمام هؤلاء فإن الأمر لا يعدو حتى الآن كونه مجرد اجتهاد وتنظير يحلق في واد بينما تحلق مؤسسات القطاع الخاص في أودية أخرى· وعلى الرغم من بشائر الأمل التي زفتها لنا وزارة العمل بتعيين عدد من المواطنين في وظيفة مندوب فإن حالة الفرح التي تنتاب البعض منا تترجم عجزنا عن فهم طبيعة ودور القطاع الخاص الموجود حالياً، إذ تختلف رسالة القطاع الخاص كلياً عن المضامين والأهداف التي يتطرق إليها كثير من الأكاديميين والشخصيات العامة في تحذيرهم من خطورة نقص فرص العمل المعروضة أمام الشباب المواطنين، وخاصة هؤلاء حديثي التخرج· ومع تكرار الشكوى من تطنيش القطاع الخاص وتعامله مع الأمر وكأنه لا يهمه، فإن القطاع الخاص هو الآخر يشتكي من أن أحداً لا يفهمه، وبحسب عدد من رجال الأعمال الذين لا يخفون آراءهم في قضية كهذه فإن القطاع الخاص الذي يسعى إلى الربح بل إلى تعظيم الأرباح في زمن لا يعرف سوى المنافسة بين مؤسسات قطاع الأعمال في حاجة إلى موظف ماهر ولن تتأتى هذه المهارة إلا من خلال بحث الدولة عن بدائل جديدة يتصدرها التدريب والتأهيل·
ويرى بعض رجال الأعمال أن إنشاء مراكز للتدريب المهني بات ضرورة وطنية، إذ لا يعقل أن يتجه كل الطلاب والطالبات بعد إنجاز الشهادة الثانوية إلى الجامعة، ولا يعقل أن تفتح أبواب الجامعة أمام حوالى 16 ألف طالب وطالبة سنوياً هذا فضلاً عن وجود حوالى 6 آلاف طالب وطالبة خارج أبواب الجامعة بسبب تدني مستوياتهم العلمية وتضم هذه الشريحة الطلبة الحاصلين على معدلات تتراوح ما بين 48% حتى 68%· هنا يأتي دور الدولة في إيجاد مسارات بديلة للتعليم يتم بموجبها تأهيل هؤلاء الطلبة خلال سنة دراسية أو أكثر للعمل في مجال مهني معين، ويستغرب المرء من هؤلاء الطلبة الذين يشتكون ليلاً ونهاراً من البطالة وعندما تخبر أحدهم: هات أوراقك وتعال إلى العمل في سلسلة الفنادق الفلانية، يقول لك: لا فنادق حرام، يا أخي العمل في الفنادق ليس قاصراً على تقديم الكحول، فهناك وظائف في الاستقبال، والحجز، والأعمال الادارية والمحاسبية والسكرتارية، وعشرات المسميات الوظيفية من ترتيب الغرف حتى تنسيق الزهور· وعلى شاكلة الفنادق أيضاً يضع هؤلاء المتبرمون من البطالة قطاعات كاملة تحت لائحة الحلال والحرام ومنها قطاعات المصارف والبنوك وشركات الأغذية وقطاع التأمين، وهي قطاعات كلها تفتقد العنصر المواطن وتبحث عنه·
للأسف هذه هي الصورة القاتمة التي يحلو للبعض من طالبي الوظائف رسمها عن القطاع الخاص، بل يغالي بعض هؤلاء عندما يقول: لا يوجد لدينا قطاع خاص بل هي مجرد مؤسسات عائلية في أي لحظة تجد صاحب المؤسسة أو ابنه أو صهره أو حرمته تهد عليك وتقول لك: اقبض الباب·
نعم قد يحدث ذلك، وقد يكون حدث في موقف أو أكثر، ولكن لا يعني هذا أن نغلق الباب ونضع عليه لافتة لا للتوظيف في القطاع الخاص، وسؤالي: هل العمل في القطاع الخاص أكثر بؤساً من البطالة؟ والاجابة بالتأكيد: لا، فالبطالة تعني الفاقة ولعل في قصة هذه الخريجة الجامعية التي سلكت دروب القطاع الخاص وصارت مساعدة مدير لإحدى المؤسسات خلال 4 سنوات نموذجاً يصلح ما أفسدته- سوالف- البعض حول القطاع الخاص·