هل يعقل أن يرتفع إيجار أستوديو دفعة واحدة من 18 ألف درهم وهو مبلغ مبالغ فيه أصلاً، ليصل مع موجة جنون الإيجارات في أبوظبي إلى 24 ألف درهم؟! وعليه قس·· دائماً نتكلم عن المنطقة الرمادية التي تخلو من وجود قانون يضبطها أو لوائح تحكمها، فتحرك طبيعة الإنسان الغريزية نحو الطمع واستغلال الظرف في ظل غياب قيود تردعه أو أحكام تحده·
إن ما يحدث في أبوظبي منذ سنتين أمر يصعب تصديقه أو تحمله، بدأ الناس يشترون كرافانات ويقلصونها بسياراتهم، وأين ما هبّت ذرت، كل يوم ينامون في باركنج أو سيح الله الوسيع بدأ النزوح للسكن في المناطق الصناعية، والعائلات بدأت تزدحم في غرفتين وتؤجر الثالثة، والبعض بدأ يتناوب مع آخرين في السكن بنظام الشفتات وهو نوعان، صباحي وليلي، وآخر يعرف بإيجار 8 ساعات صباحاً و8 ساعات بعد الظهر و8 ساعات في الليل، وهي الفترة الأغلى·
أما غرف العزاب التي كانت تضم 6 أشخاص، أصبحت اليوم تضم أحد عشر مما تعدون، بنظام أسرة الطوابق·
لقد بدأ الوضع وكأنه غير إنساني، فالموظف الذي يأخذ راتباً في المتوسط 5 آلاف درهم يصرف أكثر من نصفها للسكن، وما تبقى للأكل والمصروف البسيط الذي يذهب به الغلاء في كل شيء·
إن عدم وجود قانون للإيجارات واضح يمنع الاستغلال والجشع يربك السوق، فالمستأجر هو المستضعف دائماً، والكلمة القوية للمؤجر، حتى المؤسسات التي تؤمن السكن لموظفيها بدأت تشتكي وتضغط عليهم لدفع الفروق الكبيرة بين سنة وأخرى·
إن مشكلة الإيجارات وهمومها يتساوى فيها المواطن والمقيم حتى غدت شكوى عامة ومرهقة للجميع، ولا يعرف الناس لمن يلجأون، فظهرت تداعياتها كمسألة خلو الرجل، فبعض الشقق إيجارها 30 ألفاً والخلو بـ 15 ألفاً، وبعد سنة يصبح الإيجار بـ 35 ألفاً·
إن من يتحكم اليوم في سوق الإيجارات هم الملاك والسماسرة ومكاتب التأجير أما دائرة الخدمات فهي مخترقة من الداخل، ولن تجد شقة من خلالها إلا بعد أن تعرف كيف تصرف أمورك في دهاليزها·
كثير من العائلات بدأت تتودد لملاك العمارات وترضيهم، مرة بـ تنكة زيت زيتون و تنكة زيتون من الضفة، ومرة يرسلون تورته وكيك ومعجنات من صنع أم العيال لنجاح ابنته في الإعدادية بعد شق الأنفس، بعضهم بدأ يدّرس أولاد المالك بالمجان وكل مستأجر له حيلة فهو اليوم يحتال، المهم أن لا يزيد إيجار السنة القادمة ستة آلاف مرة واحدة أو أن تضطره الظروف لأن يلجأ إلى سلف جديدة من البنوك وتجديدها كل عام مع تجديد عقد الإيجار·
الناس طفرانه ولم يبق إلا الدعاء أو الدعوة، أن يوسع للمالك في رزقه بعيداً عنهم، وأن يلين قلبه ويشرحه للقناعة ويجنبه الجشع والطمع وأن يكون من الرابحين في سوق الأسهم، وأن يجعل له - اللهم- من كل ضيقة فرجاً وينجّح أولاده من الدور الأول، وأن يصبحوا من الذرية الصالحة التي تعينه على قبول الحياة كيفما هي، وأن يجنبهم الانتقال كل سنة من شقة إلى شقة، تكون أضيق وأسوأ من التي قبلها، وأن تظل الأسرة متماسكة متقاربة وتعيش مع بعضها، وأن لا يرجع الزوج الخمسيني أعزب من جديد أو يرجع إلى بلاده بعد ثلاثين عاماً من الغربة مديوناً أو معدماً أو عاطلاً من جديد·· يبحث عن الصبر والستر·