حائط النسيان
رجَّ الراقصون الأرض، وتعالت في رجفة الريح زغاريد النساء. ومن كل باب خرجت طبول الساكتين مُذ ولدوا، وسمعنا مشلول اليدين يصفّقُ. ورأينا أطفال الحسرةِ يتقافزون تباعاً في نشيد الأمنيات. يومها قيلَ إن شاعر القرية عاد من سفر الأسئلة، وأن القصائد التي خبأتها النساءُ في صدورهن، خرجت وطارت في ربوع العصافير. وعلى لسان الأمهات سرت سيرة ما يشبه العرس القريب. ودقّت على حائط النسيان، وتكّت، ساعة البداية. عندما وقف الرجالُ يصلّون على جثّة الندم، وفي الساحاتِ ضرب رجلٌ عجوز بعكازه على صخرة الأمل، فتدفق من تحتها خريرُ أغنيةٍ لحنُها الماء.
ترى ماذا حدث؟ وكيف تساوت في ذلك النهار حظوظ الحالمين بالفجر الجديد؟ جاء القُضاةُ ملثّمين وكسروا الصولجان على دكة الإعدام. وجاء من بعدهم المنافقون بألسنةٍ مقطوعةٍ وجلسوا يندبون مياعة الدهر، وشُحَّ الحقيقة ذات الوجوه السبعة. أرفق بهم قال الحليمُ، وعضَّ على شفتيه ومشى. افتك بهم، قالها المظلوم وهو يرفع في يده المفتاح. ولكن حين جنّ الليلُ، تفرّقت الأصواتُ في العتمة الغليظة، ولم يجرؤ الحُرّاس على رفع المصابيح. والنوافذُ التي كان يطلُّ منها شَعرُ الأميرات، كستها وحشةُ الخراب. ومن بعد ذلك، لم يعد أحدٌ ليسأل عن سبب انطفاء الكلمة في ليلة اكتمال نجمها.
سأعترف مرتان. وليخصّني رامي الجرحِ بسهمٍ إن أصبت. نعم أقدُّس الرحمةَ، لكني أخاف من جلّادها. وأعبدُ الحريّة، لكني لا أصلّي في محرابها الأحمر. رأيتُ السياط تُرفعُ على ظهور من قالوا شبه لا. وسمعتُ رصاصة النفي تُطلقُ من أفواه المرائين وتُسجي من يمجّد ضدّهم. وما حفرته يداي على ورقة النّص، لم يكن سوى خرائط زلّت عن حدودها، ونقاط دمٍ تسرّبت للحبر وقت اختلاط السفك، وبقايا خدوش قلمٍ تكسّرت أصابع من يرتديه.
لم يكن ذلك حلماً، بل نداء ورقةٍ تجفُّ
لم تكن تلك الحكاية، بل غمرني سرابها
سأقول أيضاً: الناسُ في الغفلةِ أسرى العلّة. والناسُ في ساعة التباهي، أسرى للغِلّ. وما من دواءٍ لحزنك أيها المغدور، سوى أن تنطح الفراغ قبل أن يأكل بقيّة روحك. وأن تعصر عروقك كلما ضجّ فيك اختلافك. فلربما انفتق قلبك لمن أحببتها. وقدرتَ، وقد غمرك الرماد، أن توقظَ جمرة اسمها، وأن تناديها. هذا وإلا سيبتلع الجنون كل خطاك.
Adel.Khouzam@alIttihad.ae