عبر درب الحياة مر حسن شريف، زرع سيرة مختلفة ومغايرة للسائد، وضع بصمته التي أصر عليها في مشهد الفن التشكيلي وغادر، ترجل، فتح الباب وغادر هذه الدنيا تاركاً إرثاً فنياً لن يُمحى على مر الأيام، إرثاً سيُزين المشهد الفني التشكيلي الإماراتي على مدى أجيال فنية متتالية، ستصير بصمة حسن التي وضعها في سيرة الفن ظلاً يستوعب التجارب الفنية، ويُشير إلى أي مدى يمكن أن يتبع المرء الشغف لتتحقق الأفكار والرؤى على أرض الواقع. أنغمس حسن شريف عميقاً بعمله الفني منذُ تفتحات العمر، وخاض غمار تجربته بكل صدق بين مرحلة رسم الكاريكاتير في السبعينيات، تلك الفترة التي يذكرها حسن دائماً بفخر كتجربة مميزة في عالم النقد الساخر الذي يقدمهُ فن الكاريكاتير؛ وبين الرسم وإنتاج اللوحات الفنية، شد شراعه وانطلق في الألوان التي انشغل فيها وانشغلت به، حيثُ تمكن بقوة من الفرشاة ودقة الرسم ونقل تفاصيل الأشياء. سرى الفن؛ هذا البحرُ العميق والشاسع بحسن بعيداً، نحو بهجة الفراغات الواسعة ومدى الرؤى الممتد إلى اللا حدود، حيثُ القفر تماماً، الذي أسس حسن شريف فيه تجربته الجديدة، عبر المدرسة المفاهيمية التي حمل ريادتها في دولة الإمارات، متخلياً عن الجدار واللوحة، متخذاً الأرض مساحة عرض أعماله الفنية، مقتنعاً بأن هُناك وسيلة أكثر قوة على الاستفزاز من جمود اللوحة، استفزاز لبصر المتلقي وتفكيره كي يدخل إلى رسالة العمل الفني التي جعل حسن الأشياء لغةً لها. قطع الأخشاب والكراتين والحبال، الأحذية والنعل، الخيوط والأسلاك، لون ونسج وخطط، انشغل حتى آخر أيام حياته بإنتاج العمل الفني، حيث أخبرني قبل عام تقريباً من وفاته، في آخر لقاء كان بيننا، أنه مُنهك صحياً قليلاً ولكنهُ نشط جداً إنتاجياً. تجربة حسن هي من أهم التجارب الفنية المحلية؛ تجربة مدت جذورها في الداخل عبر رعاية عدد من الفنانين من خلال مرسمه العتيق التابع لوزارة الشباب والرياضة بدبي في نهاية الثمانينيات - بداية التسعينيات، وأسست عدداً من التجارب الفنية.. تجربة حققت حضورها بقوة المثابرة وصدق المشروع المؤسس على وعي عميق بالفن، بإدراكه فلسفياً وبصرياً، حتى بلغ حسن مقاماً عالياً واسماً مضيئاً في عالم الفن التشكيلي؛ تجربة تعدت حدودها الجغرافية ولاقت التقدير والاحترام، حتى أصبح كل من زار الإمارات من الفنانين الحقيقيين لا بد له من التقاء حسن ليتعرف إلى تجربته، ليس من خلال رؤية أعماله فقط، بل من مرافقته لعدة أيام بهدف بلوغ أغواره الإبداعية. حسن، شقيق الحياة، كلما التقينا تتحول الساعات إلى فرح مطلق، حوار طويل في الفن والشعر، وفي شتى شؤون الحياة الخاص منها والعام، يتخللها ضحك وسخرية لا يتوقفان.. وداعاً حسن شريف، سيبقى مكانك القلب، ستبقى تفاصيلك كُلها حاضرة رغم الغياب، ستبقى قيمة وقامة فنية عالية، وداعاً أيها السارح في سحر الحياة والموت.