يتعرّض الإنسان في حياته لانكسارات ومحن، تشكل اختباراً لصبره، وفي الملمات تختبر معادن الناس، ويعرف الرجال عند الشدائد، وليس الرجال وحدهم الذين يعرفون في الشدة، إنما النساء أيضاً، فمن الزوجات من يصبرن على شظف العيش مع أزواجهن الذين وقعوا في الكرب وضاقت بهم الأحوال، ويشددن من أزرهم ويصبرن على ما أصابهم من عسر. كانت «سكن» جارية محمود الوراق من أحسن خلق الله وجهاً، وأكثرهم أدباً، وأطيبهم غناء، وكانت تقول الشعر فتأتي بالمعاني الجياد والألفاظ الحسان، وكان محمود قد رقت حاله في بعض الدهر، واختلّت اختلالاً شديداً، فقال لجاريته «سكن»: قد ترين يا سكن ما أنا فيه من فساد الحال، وصعوبة الزمان، وليس بي وجلال الله ما ألقاه في نفسي، ولكن ما أراه فيك، فإني أحب أن أراك بأنعم حال وأخفض عيش، فإن آثرت أن أعرضك على البيع فعلتُ، لعل الله عز وجل أن يخرجك من هذا الضيق إلى السعة، ومن هذا الفقر إلى الغنى. قالت الجارية: ذلك إليك، فعرضها، فتنافس الناس ورغبوا في اقتنائها، وبذل فيها أحدهم مائة ألف درهم، وأحضر المال، فلما رأى محمود تلك البِدَر سَلِس وانقاد ومال إلى البيع، وقال: يا سكن البسي ثيابك واخرجي، فلبست ثيابها وخرجت على القوم كأنها البدر الطالع، وكان محمود - وهي كذلك - معها، فقالت سكن وهي تذرف دمعها: يا محمود، هذا كان آخر أمري وأمرك أن اخترت علي مائة ألف درهم؟ قال محمود: فتجلسين على الفقر والخسف؟ قالت: نعم، أصبر أنا وتضجر أنت، فقال محمود: أُشهدكم: إنها حرة لوجه الله، وأني قد أصدقتها “جعلت صداقها «مهرها» داري”، وهي ما أملك، وقد قامت علي بخمسين ألفاً. خذوا مالكم بارك الله لكم فيه، قال الرجل الذي دفع المبلغ ليشتريها: أما إذ فعلت ما فعلت فالمال لكما، ووالله لا رددتُه إلى ملكي، فأخذ محمود المال وعاش حياة سعيدة مع سكن. وشعر محمود كثير يفيض بالحِكم والمواعظ والأدب، فها هو ينصح بالصبر: تعـزَّ بحســـن الصـبرِ عن كـل هـالكٍ ففــي الصبر مسـلاةُ الهموم اللوازمِ إذا أنـت لم تســلْ اصـطباراً وحسـبة ســـلوتَ على الأيــام مثل البهـائمِ وقال: وذو الجهــل يأمـــنُ أيامَــــه وينسى مصـارعَ من قـد خلا فـإن بدهـتْهُ صــروفُ الزمـان ببعــض مصــــائبـه أعـــْولا ولـو قــدم الحــزم في نفـســه لعلمـــه الصـبرُ عـند البــلا Esmaiel.Hasan@admedia.ae