عندما نفرش حصير الذاكرة، نرى في طياته البقع الحمراء لبقايا حناء ترك أثره منذ الليلة الفائتة، والرائحة تفوح من خلايا النعيم الزمني حين كانت المرأة الغارفة من معين أحلام الصباح، وهي ترفل بابتسامة صباحية أشهى من رائحة الزنجبيل، وأجمل من لون اللوز الأحمر، وأعبق من نسيم الشروق، وهو يغسل وجه السماء بأنامل شمسية ناعمة كالحرير. في ذلك الزمن، تصحو القرية المحفوفة بأصوات الصغار، تتبعهم تغاريد الطير، وهدهدات النساء الغافيات عند تنانير العيد، ومن أعطافهن، تنضح عطور الحناء المغسولة بماء الأجساد البضة، وهي تسح برحيقها كأنها النحلات في ساعة الوهج الملائكي. في أعياد الزمن الجميل، كان الصغار ينحتون بأقدامهم الصغيرة رمل المكان، وهم يهتفون باسم العيدية، والجلالبيب البيضاء أشرعة السفر في نحو غايات الفرح العفوي، وفطرية النهوض في وقت تصحو فيه الطيور، وتهدل الحمامات، وتغرد العصافير، وكان ذاك اليوم، ذاك الصباح يستدعي الزمن فحولته، ويقبض على رغوة الصابون الشارد من ساحات الاغتسال الصباحي، لأجل أن يتطهر الزمان من حثالة ذكريات تقتحم العقل والقلب، ربما لأنها ساعات الانتصار للفرح على كل ما يعرقل الأفئدة، وهي ماضية إلى النهر كي تستحم، وتبلل الشعيرات، بماء العذوبة. في أعياد الزمن الجميل، كان الصباح يبدو مثل حفل بوذي عند مراسل الوقوف في مرحلة ما بعد الصحوة، في منطقة يبدو فيها الناس جميعاً أطفالاً في ريعان الزهور، يسطرون مراحل حياتهم بحبر من رضاب، يسيل من الشفتين بأنه رحيق، يلمع كأنه العقيق، والبيوت مفتوحة على الزمن مشروحة على التاريخ، والأيدي ممدودة مثل أجنحة في حالة التحليق لا أحد يجفل من أحد، ولا أحد يقفل باب القلب، ويغلق نوافذ الحلم، الأحلام كانت مشرعة مثل المحيط على العالم، والأفكار صافية مثل قطرات الندى، والمشاعر لا تغشيها غاشية، وكانت المجالس خياماً، لكنها أوسع من الصحراء، وأعلى من سقوف الجبال، وأشرح من النمارق، كانت الأصوات تصدح مثل رونق النحل، وهو يهم ببناء خلية العذوبة، كانت الأطباق تكفي لشخص واحد، ولكن يتقاسمها أكثر من عشرة أفراد، وفي الخيمة المجاورة، تجلس الحالمات بليلة مباركة، ومن غير شروط، ولا رغبة عارمة في الزيارات المبهمة، كن فقط يدرن حياتهن من وعي المنازل المحتشمة، ونخوة الأبرياء الذين لا عجلة لهم في قطف عناقيد الفراغ، أو خطف اللقمة من فم الأسد.