هلال بمبا
بمبا، وما أدراك ما بمبا، جزيرة جميلة وادعة تستلقي في دعة وسط دفء مياه المحيط الهندي قبالة سواحل تنزانيا· ظهر اسمها ربما لأول مرة في وسائل إعلامنا المحلية مع وصول بعثة الهلال الأحمر إليها لإطلاق حملة لمكافحة العمى وأمراض العيون المتفشية هناك·
وما لا يعرفه الكثيرون من جيل اليوم هو أن اسم هذه الجزيرة محفور في الذاكرة الشعبية ليس في الإمارات وحسب، وإنما في عموم بلدان الخليج· فعندما ضاقت الأرض بالكثيرين من جيل الآباء والأجداد ، ولم تكن الصحراء إلا هجيراً وضنكاً، ارتادوا البحر إلى سواحل شرق أفريقيا وبالأخص جزيرة زنجبار، وكانت هناك محطات قبل الوصول إليها، وجزيرة بمبا كانت المحطة ما قبل الاخيرة في رحلة طويلة من الكد وراء الرزق·
كانت'' محاملهم'' تحط أشرعتها في تلك الاصقاع، تحمل بضاعتهم إلى سكانها، بضاعة بسيطة لم تكن تتعدى التمور بأنواعها والحناء واللبان· كانت الأجساد المنهكة التي نال منها البحر والملح تهبط وسط الخضرة، طلباً للراحة بعد تشقق الجلد وكلل البصر·
وكان المقام يطول بهم ويمتد أشهرا في رحلات لم يكن لهم من معين فيها من بعد الله إلا سواعدهم وأشرعة ''بومهم ومحاملهم'' عندما تكون بيد''نوخذة'' متمرس خبر البحر ونجوم خط سيره·أتذكر من طفولتي أحلى هدايا من بقايا تلك الرحلات حفنة من'' مبسل'' وهو تمر جاف قاس نختبر به قوة أسناننا صغاراً·
اليوم ولله الفضل والمنة تغير الحال، وهبط أحفاد أولئك الرجال من جديد في تلك الجزيرة القصية ولكن هذه المرة جاءوها جوا، ينثرون الحب ويطلقون أسبوعاً من العناية بالحياة، وهل نعمة ونور في الحياة يعدلان نعمة البصر! إنهم أطباء ومتطوعو هيئة الهلال الأحمر الذين هلّوا عليها و أطلقوا حملة لمكافحة أمراض العمى و باشروا على امتداد أسبوع كامل علاج سكانها ممن يعانون أمراض العيون كالمياه الســـوداء والبيضاء وحوَل الأطفال·
رسل محبة نثرهم الشخصية الإنسانية للعام وكل الأعوام سمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس هيئة الهلال الأحمر، وهم يجوبون العالم ، يغيثون الملهوف و يلبون استغاثة المحتاج ممن توالت عليهم صروف الدهر من نوائب ونكبات الكوارث الطبيعية و الحروب وغيرها·
وبرحلات العطاء والجود إلى حيثما يوجد محتاج ، يترجمون ويجسدون نهجاً راسخاً من غرس القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، بجعل إمارات الخير والمحبة منارة للعطاء، والاهتمام بالإنسان أينما كان·
واليوم والذكرى الرابعة لرحيله عن هذه الدنيا الفانية تحل تستذكره البشرية ومحافل الإنسانية بكل المحبة والإعزاز، تحف به أدعية المتضرعين للخالق جلّت قدرته أن تتنزل عليه شآبيب رحمته، ويجعل له مقعد صدق عند عزيز مقتدر، ويجمعه مع النبيين والصديقين والشهداء في سرر متقابلين في سدر مخضود وطلح منضود· ونسأله جل وعلا أن يديم على الإمارات هذه النعم لتبقى كما أراد لها أن تكون واحة أمن وأمان، ومنارة عطاء وإحسان بقيادة خليفة الخير ''حفظه الله''