تحار هذه الأيام في أمر بعض الناس، وقد تحولوا ما بين كائد ودسّاس، إلى مختصين بزرع الوسواس، بلا وازع ولا إحساس، وليس عندهم من الضمير أي أساس، فواحدهم عنده الاستعداد لأن يكون العسَّاس الخنَّاس، يلدغ وهو يبتسم، ولا يرعوي وهو يقتحم، أسوار الأخيار، غير محتسب لأي قيم أو اعتبار، وغير آبه بصحبة ولا بجوار، يلعب دور الحسود، ويجيد دور الحقود، ويبدي لين الجانب، وأول ما ينهش لحم الأقارب، وأشد سماً من الأفاعي والعقارب. تشهد اختلاف الناس على سفاسف الأمور، ولا ترى فيهم سعة في القلب ولا في الصدور، الواحد منهم لأتفه الأسباب يغلي ويثور، وعلى بعضهم وأهليهم كنمر هصور، وعلى أعدائهم كفأر مذعور. لا أحد يتحمل أحداً، لا أخاً ولا أماً ولا والداً ولا ولداً، تسمع أغرب القصص، فالشاطر من يتحين وينتهز الفرص، تحس بأن الحكمة مفقودة، وآفاق الود والحب مسدودة، وبعض الناس بلا مبالغة أشد من الوحوش والشياطين شراً، فلا يطيب لهم نوم إلا بخراب البيوت مستقراً، هؤلاء شياطين الإنس يعلّمون شياطين الجان الدرس، في سبل الإيذاء وغرس الضغينة وطرق إثارة البغض والشحناء، في كل صباح ومساء. نشهد كل يوم ما لا عين رأت وما لا أذن سمعت، وما لا خطر على بال بشر، وتشعر بأن الدنيا لم تعد بخير، وما أبلغه من قول لأبي الدرداء: كان الناس وَرَقاً لا شَوْك فيه فصاروا شَوْكاً لا وَرَق فيه‏. وقال الحكماء‏:‏ لا شيءَ أضيع من مَوَدَة من لا وَفاء له‏، واصطناع مَن لا شكر عنده والكريمُ يَوَدُّ الكريم عن لُقْية واحدة، واللّئيم لا يَصِل أحداً إلا عن رَغبة أو رَهْبة‏.‏ وفي كتاب للْهند‏:‏ إن الرجل السوْء لا يَتَغَيّر عن طبْعه كما أن الشجرة المُرَّة لو طَلَيْتها بالعسل. وسَمِع رجلٌ أبا العتاهية يُنْشد‏:‏ فارْم بطَرْفك حيث شئـ ـتَ فلا ترى إلا بَخيلا ‏”‏فقال له‏:‏ بَخلت الناس كلَّهم قال‏:‏ فكذبني بسَخِيّ واحد! ‏ وقيل لعُرْوة بن الزُّبير‏:‏ ألا تَنْتقل إلى المدينة قال‏:‏ ما بَقِي بالمدينة إلا حاسد على نعمة أو شامت بمصيبة‏.‏ قال أبوالفضل الرياشي: إذا ذَهـَـب التكـرُّم والوَفــاء وبــاد رِجــالُه وبَقِي الغُــثَاءُ وأسْـلَمني الزَّمــانُ إلى رِجـال كـأمْثال الذئــاب لهـا عُواء صَديق كلما استَغْنيت عنهم وأعــداء إذا جَهـَــدَ البَــلاء إذا مـا جــئتهم يتدافَعــوني كـــأنّي أجــــــرب آذاه داءُ أقـــولُ ولا أُلاَم عـلى مَقــال على الإخـوان كُلِّهـم العَفـاءُ Esmaiel.Hasan@admedia.ae