كانت عادة الجمعة أن يفطر الجيران القريبون مع بعضهم بعضاً، بعد ما تقوم النساء بالتنسيق فيما بينهن لصباح الجمعة الاستثنائي، ولكي لا تتشابه الصحون، هو ريوق في وقت مبكر، وبعد أن تطلع الشمس، تسمع الأب يقول لنساء الدار: «يالله انقفضن، حمت الشمس جان بتريّقنا، ترى بو جمعه فتنته عند خشمه، ويبا يسرح السوق، وأنتن بعدكن لاهيات، فاجات نطعكن» في ذلك الإفطار البسيط كنت تستمتع بكلام الرجال، وتوهمهم إن زادت «المغيه» وتحدثوا عن مغامراتهم التي لا تتعدى النخل، أنك ملتهٍ بشيء ولا تسمع، وإن سمعت لا تفهم! بعدها ترتدي ثياباً تليق بالسوق وبالأب الذي سيلتقي بصحب وأصدقاء له إذا ما سمحت لهم أشغالهم في الشارقة وأبوظبي والظنة أو العديد، صحبة الأب لسوق العين القديم، تسبقها فرحة ركوب السيارة، كميزة تجربة الشارع من علو «الجيب بو حايب» بدلاً من المشي في سكيك نخيل العين إلى السوق أو تركض وراء «مَصّرِية الحوّاي» وهو يدلف يتبع ظل الجدران في مشواره الذي يطول! في السوق تحاول أن تظهر رجولة مبكرة، خاصة حين تسمع ربع أبيك يقولون: «والله كبر بجرك، متى بيعرس»؟ تظل تتبع فضولك في تلك العرصة، تتأمل الوجوه، وتراقب أصحاب المهن في عز إنشغالهم، تسمع بعض المزاح، الملاسنات، كلمات الترحيب، والمكاسرة بالأثمان كعادة أزلية في السوق، ولا تلتفت لمساعدة الأب في مقاضيه إلا إذا نهرك أو رمقك بالعين الحمراء، كانت أكياس قرطاسية قديمة رملية اللون، فيها «مَنّ سمك» قيس اليوم خضرة، و«جياسين لحم» و«درزن موز»، وإذا زادت المشتريات مثل كل أول شهر، إما يتبعنا حمّالي أو يركّضني أبي مرتين للسيارة لكي لا أثقل على يدي! نعود ببعض الفرح الذي يسرّبه للنفس السوق وضجته، لقيا المعارف، ولابد من فائدة تخزنها الذاكرة، خاصة إذا ما «وايهت» بعض النساء، و«تَحَفنّك» وسمعت ترحيبهن الذي لا تدري بك أم بأبيك! تضع الأكياس، وتستعد للذهاب برفقة أبيك إلى الشريعة، كعادة تسبق صلاة الجمعة، وفرحة الاستحمام الجماعي، تلك ساعة تتمناها أن تطول، تفضل ماء الفلج حتى يبرر لحمك على السبوح في البيت بصابونة حمراء «لايف بوي» وشامبو إنجليزي أحمر في غرشة يشبه أدوية مستشفى كَنَدّ، يدخل في العيون ويحرقها، وحين تنتهي من السبوح تسمع أذان صلاة الجمعة من المسجد الطيني القابع في واحة نخيل العين، حيث يتقاطر الناس بملابسهم النظيفة ليسمعوا الخطبة المعتادة من دون إدراك وتمعن من «حياة» المطوع.