قيدٌ على الفكرة، جرحٌ في بُحّة الناي. وبينك وبين قطف الورد أن تسعى من غير أن تنتظر انفراج الزاوية. وأن تركب الخوف إذا البحر مغلق. سيان للساهي إن توقفت الساعة، أو تعارك عقرباها، أو طوى ضمورٌ لسانها. لكنك خامدٌ في أسرِ يقظة تشتعل، وعيونك مشدوهة للضوء كأنك عبده. منحنياً في الليالي على الكتب التي دربتك بأن تهدهد جمرها، وأن تقلّب السؤال بين يديك من غير أن تحظى بغنيمة سرّه. ويوماً، عندما حملت بأصابعٍ مرتجفة سيف القلم، لم تطعن الفراغ كما أمروك، ولم تسفك دم الكلمة كي يداوي غيرك جرحها. وما رأيناه على الورق المتساقط في خريف رؤاك، وما قرأناه في عيونك وفي نفح قلبك، كان درباً يبدأ من غيابٍ ويقود إلى غياب. وكانت الأنهار عروق قصيدتك النافرة. والرملُ البكرُ في الصحراء، طُعمٌ سائغٌ لمطرٍ لا يُطيعك. ثم انتبهنا إلى محوكَ، فوجدناهُ فضحاً ساتراً للوهن الذي لعثمَ الشعراء من قبلك، وأركَعَ للدسِّ أقلامهم. لا، لن نناديك قبل الفجر، لا أحد فضيٌ هذه الليلة، ونسلُ أقمارك إن أتي كشفاً وفضحاً، ربما يُغرق المنقوعين في لهف انتظارك. جيئة وذهاباً وقفنا نطرقُ باب الحُطام. قال سادن الورقة: كل قطرة حبرٍ قيامة، كل إتكاء حرفٍ على حرفٍ جبل. لا تنهروني، لا تعبثوا بدم الدلالة لا أطيق تلوّن جلدها. لكنك من عصفٍ أتيت لنا تحملُ صرّة الكلمات الجديدة، ونحنُ صدقناك وآوينا جنوحك في نوايانا. واليوم، قبل أن نهذي، نطاوعُ أولاً مشكاة شمعتك العالية، هل تتسع فوق صرختنا، أم يروضها الحذِرون لتصير مجرد هذرٍ لا يقامُ له مدى. وإذا تجرأنا قليلاً وباح صغارنا بشهوة القفز على عجزنا، ترانا، وتراهم، يأمنون خديعة الكلام، أم يأتي السيفُ وهو حسمٌ للمارقين في الخيلاء، ويفصل بيننا وبين الأمل؟. قل لي، وأنت الشاعر الذي كسوتُ جلد رحيله بالبحر، وألبسته تاج غيمة، ورأيتُ في تهشم مراياه اكتمالي. ماذا ألملمُ في ساعة الحقيقة، وكل ما حولي عراء؟ وماذا أقول للنجمة إذا شعّت، وما من ماء في دفق نبعي يليقُ ببرق انعكاسها؟ جئتَ خصمي وعدتَ بنصف روحي، أيها الشاعرُ المغطى بألف يد. لو نصفق لحظةً لمجدك، نولدُ بأجنحةٍ خضراء. ولو نُساير زمانك المُغتم، ولو وحمةَ أننا لبيناك تظهرُ على رقابنا لكان ذلك كفى. ولا يهمنا أين من عطشٍ ينهالُ علينا بعد ذلك روي عطرك.