في حوار بين ندين متضادين متنافرين في الرؤية والهدف، قال أحدهما: إن الدراما التلفزيونية تعرض فضائح المجتمعات العربية وتسيء إلى الأخلاق والدين وتؤجج نوازع الشرف نفوس البشر، كون هذه الشاشات تفرض على كل بيت مشاهد حلقات مطولة عن القتل والاغتصاب والسرقة وتعاطي المخدرات.
وقال الآخر: هذه قضايا مطروحة وممارسة وموجودة في مجتمعنا، فلماذا نحني رؤوسنا في الرمال ونقول إن حراماً علينا مناقشتها وكشفها بوضوح وصراحة وجرأة. وقال الأول: هذه ليست جرأة، هذه نوايا مبطنة لتخريب أولادنا وبناتنا وزوجاتنا، أنتم تتعمدون الإطالة في المشاهد التي تبرز مفاتن المرأة من أجل الإغراء وإشاعة الفاحشة وبهدف الكسب السريع، والحصول على المال. قال الآخر: وما الحل، ماذا تريدنا أن نقدم للمشاهد، أتريد أن نعرض على الشاشة الصلوات الخمس فقط.
قال الأول: لا، لا داعي للاستهزاء، كل ما نريده هو الكف عن هذا الهراء وتحرير رقاب العباد من مسلسلاتكم الجهنمية ودعوا الناس يستريحون من هذه الإثارات الجنسية الخبيثة.
قال الثاني: أنتم تريدون الناس يعيشون عمياناً لا يرون إلا ما تلقنونه لهم وأنتم لا تقدمون غير الإجابات الجاهزة وتمنعون منعاً باتاً طرح الأسئلة، لأنها تكشف ضعفكم وقلة حيلتكم وهذه أساليب كلها تسيء إلى الدين ولا تخدمه.
قال الأول: أتريد أن تعلمنا مبادئ ديننا.
قال الآخر: ولم لا، عندما تكف أنت عن التنظير لشيء لا تفهمه أستطيع أنا أن أحترم رأيك، وإلا سوف يستمر الحوار السوفسطائي إلى ما لا نهاية ولن تستفيد مجتمعاتنا أي شيء.
يضحك الأول ساخراً، ثم يردف قائلاً: نصيحتي لك ولأمثالك أن تمتنعوا عن بث هذه السموم، وإلا فإن جهنم الحمراء هي داركم الأخيرة والتعاسة في الدنيا هي ملاذكم في الحياة.
يضرب الآخر كفاً بكف وينظر باشمئزاز إلى الأول ثم يطرق، أنت لا تملك صكوك الغفران، حتى تهبها لهذا وتمنعها عن ذاك.
صفق الأول ولوح بسبابته قائلاً: اخرس، هذا كلام لا يقال أمام رجل شريف عفيف يخاف الله، ويؤمن بمبادئ الدين الحنيف، فيرد الآخر: أما سواك فهم ليسوا شرفاء، ولا نبلاء، بل هم أناس أشرار معذبون في الدنيا، ومصيرهم النار في الآخرة، أليس كذلك؟ خفض الأول رأسه، وبدا يبسمل ويحمدل، ثم انتهى الحوار الذي كسر طوق آداب الحوار وتحول إلى سجال خارج عن الأصول المعرفية متجاوزاً حدود الأخلاق في مناقشة الأفكار، وطرح الموضوعات ذات الشأن الاجتماعي والإنساني. حواراتنا صراع ديكة تناطح ثيران لا يستفيد منها الأهل ولا الجيران، حوارات مجرد تفريغ ولطم على الوجوه، ومطاردة الشياطين في عز الظهيرة، حوارات من هذا النوع، أشبه بضجيج العربات الفارغة التي تزلزل المكان بلا حمولة ولا وزن. حوارات من هذا النوع، لا تقدم مشهداً درامياً قيماً ولا موعظة دينية مفيدة، فقط مجرد عواء في خواء، يذهب مع الريح إلى غير رجعة، أتمنى أن نفكر جيداً وننصت جيداً كي نستوعب جيداً ونثري العقل بما يفيد وما يغني الروح.


علي أبو الريش | marafea@emi.ae