تروي القصة القديمة أن رجلاً عجوزاً كان يسكن الجبل، وكان يمنح بعض الحمقى والمعتوهين الملذات، ويعدهم باستمرار هذه الملذات التي تذوقوا طعمها، شرط أن يذهبوا لقتل أشخاص معينين يرشدهم إليهم. وللتعصب أشكاله وألوانه سواء كان على المستوى الفردي أو الجماعي، وسواء كان تعصباً دينياً أو سياسياً أو اجتماعياً أو عرقياً، فهو يصب في نفس خانة التقوقع في محارة التعصب والغضب.
بول بوت في كمبوديا قتل ثلاثة ملايين من أبناء شعبه، فقط لأنهم ارتدوا البذلات الغربية ووضعوا على رؤوسهم القبعات، فاعتبر ذلك ضمن التطلعات البورجوازية التي تستنكرها العقيدة الماركسية. كما أن في العام 1572م قام البورجوازيون في فرنسا بقتل ثلاثة آلاف شخص من مواطنيهم بسبب خلافات عقائدية. لقد ارتكبوا مجزرة سان بيرتوليمي البشعة، فذبحوا الناس وقطعوهم إرباً إرباً، ورموهم من النوافذ.
والإنسان المتعصب لديه الاستعداد أن يفعل ما هو أكثر من ذلك، لأنه نكص إلى مرحلة تسبق تاريخ الوعي، هذا الإنسان خضع على مستوى تاريخ حياته لضخ أنوي فضيع إلى درجة أنه لم يستطع أن يرى سوى نفسه، فإذا أعترض طريقه من يخالفه الرأي، فإنه يشعر بجرح عميق، هذا الجرح لا يدمله إلا جرح أشد منه عمقاً في ذات الآخر. أي أن الشخص المتعصب يشعر بالإهانة والامتهان، في أن يرى فكراً آخر يناوئه ويناهضه، أنه لا يرى إلا فكرته وبالتالي لا يستطيع أن يعيش بين فكرتين، ولا يستطيع أن صورة الآخر في مرآته، فإنه تؤذيه وتؤلم قلبه.
المتعصب وهو يحمل هذا الإحساس العدمي، يشعر أنه مظلوم، ولكي يرفع الظلم عن نفسه فلابد أن يقتل، ويفتك، ويفني الآخر، ليعيش هو، فلا يجد فرصة أبداً، أن يعيش اثنان في مكان واحد، فالمكان هو قلبه، وقلبه ضاقت به السبل، بعد أن احتشدت حوله، صور الريبة، والشك، بالآخر، وبعد أن اقتحمه اليقين الأعمى، وقال له أنت الحقيقة، وسواك زبد البحر. فمن ذا الذي يستطيع إقناع إنسان أعمى بأن الطريق الذي يسلكه، ملئ بالحفر والصخور. من يستطيع أن يقنع المتعصب، بأن هناك حقيقة واحدة لا أكثر، وهي أن الحقيقة ليست سلعة، بل هي روح، وفي داخل كل منا روح، كما في داخله قلب، وعقل، فلماذا الاعتقاد بأن ما لديك هو الأجود، وما لدى الآخر هو الأسوأ. الحياة ليست مؤسسة تجارية بل هي رحلة، علينا أن نقطعها بشكل آمن دون وضع الصخور في الطريق ثم اتهام الآخر بأنه هو المذنب.