حين ترى شيئاً ما من ملامح الزمن الجميل يستوقفك الحنين مثلما لو يأخذك الحلم إلى آفاق لا حدود لها، وتتعمق فكرة الزمن في ملامح ما مضى برونق أخّاذ، وما ينساب من صور ترحل في شلال الذاكرة على شكل ومض يؤرخ الحقب الزمنية بالنفس ويظهرها على أجمل صورة. فمن هذا الفيض الجميل لا بد أن تقرأ صوره على مهل، ولا بد أن تفتتح مشاعر المودة وتحسن الرؤية للزمن، فملامح البراقع على وجوه نساء ذلك الزمن تتسم بجمالية مشرقة، ويخفق لهن العطاء، وصور أمهات في سماتهن التضحية التي لا تقدر بثمن، إذ يكفي ما يحملن من عناء الحياة، ومن سهر ملأ الجفون على راحة صغارهن، في زمن بعيد ندر فيه الطبيب وكثر السقام، ولامست الحياة صعب العيش، وما من رغد فيها كحال اليسر الآن، إلا أن قدرة نساء الماضي كانت عظيمة التحمل، جسدت نسج روح الأسرة في بيوت علا قدرها ومكانها، بيوت كانت صغيرة، لكنها كانت كبيرة في أبعادها وأحلامها الجميلة. إنهن ذوات العباءات السود، اللاتي في أعماقهن بياض ناصع جميل، يخفق بحنان الأمومة، وبصفاء الروح، أمهات الأجيال لا يفرقن بين أولاد الحارة، فكل الصغار لهم حضورهم، وفي مقام فلذات الأكباد، ولهم ما يكسيهم وما يطعمهم، ويأخذ بيدهم إلى بر الأمان. هنا تكرم أمهات الزمن الجميل، وتوضع الورود في مسيرتهن إجلالاً للعطاء، تكريماً جميلاً لمعنى البيوت والتضحية، ومعنى العطاء حتى يرى الأبناء أين طريق الاقتداء، وحتى تكتمل منظومة المجتمع، فلا بد من سَوْق الدراسات من جوف السير الذاتية ومن بطون التراث، وذلك من أجل أن تستنبط مواقف النبل والقيم، ومن أجل أن تكرم الأسماء الحاضرة والراحلة على السواء. رائحة الماضي، عبق القادم من الشعارات الجميلة، لربما يُرجى منه كرنفال يحمل صوت الزمن الجميل، زهو آخر لرد الجميل لمسيرة أجمل نشأت من خلالها أحلام الحياة ونسقها الحديث، فمن خيالنا لم نصنع ذرة من وجودنا، ولم نكتب عالمنا، بل أمهات الماضي الجميل هن من وقفن في تحد من أجل زرع ذلك المجد والتاريخ. قسمات الزمن الجميل وصوته ونبع كيانه وعطائه وسيرة مفرداته وكتابة سطوره بالقيم والفكر، وحث الأبناء على العلم وعلى المثابرة، كله ينم عن استحقاق وجودي يعيد لأمهات الوجود والعطاء مكانتهن في المجتمع. Hareb.AlDhaheri@alittihad.ae