يا لهذه الغابة الساحرة الباهرة الجميلة التي تعجز الأبجدية بكل معانيها أن تصفها وأن تنقشها في ذاكرة القارئ الذي لا يراها بدهشة عينيه وتحديقهما بذهول الرائي الذي ستنغرس صورة هذه الغابة المدهشة في خلايا ذاكرته لتنهض فجأة كلما ورد اسم غابة أو صورة غابة على ورق أو في جهاز إلكتروني. تتسلق هذه الغابة في ريف تركيا الجبل الذي لم يعد له مشهد الجبال؛ فقد غطته كثافة أشجار الصنوبر والحور والزيتون والتوت.. والكثير الكثير الذي لا أعرف صنفه بعد لشدة تداخل الأشجار وكثافتها التي تنتصب بينها بيوت متناثرة جميلة الهندسة وكأنها الأطفال في أحضان الأمومة.
أليست الغابة أمومة الشجر وحنان الطبيعة؟ أليست هذه الغابات التي تغطي الجبال والسفوح والمنحدرات حتى لا يكاد الإنسان يرى الشوارع التي رصفت بين أحضانها للمشاة وللسيارات، بعض فيض الطبيعة حين تلف السماء بالسحب وتفيض بالأمطار على التراب والجبال، فينهض الأخضر وتكتنز الأرض بالشجر حاضن الخير والنعمة والرخاء وسر بقاء الأحياء والإنسان والوجود على هذا الكوكب الفريد؟
آآآه أيتها الغابة الجميلة أكرمي بيتي ببعض فيضك؛ فقد صوح نباتاتي البسيطة قيظ الصيف وسياط اللهب. فيا أيتها السحب التي تطرز السماء بنصوع بياضها حين تخترقه أشعة الشمس الخجولة التي تتسرب بين كثافة السحب. ابعثي بعض فيضك إلى تراب بيتي الذي أقحلته أشعة الشمس التي تجلد أنفاسي قبل أن أصحو وأرشه بقطرات ماء الصنابير وليس بفيض المطر.. ويا أيتها الغابة الست أنت الكائن الشامخ الغامض والأليف؟ هل أنت أمومة الطبيعة وأنثى الفصول ووسادة للضياء حين يلوح مرة ساطعاً، ومرة يلوح كخجل شفيف؟ وكلما لوحت الغيوم بسقوط المطر هللت أغصانك وتراقصت نشوانة تحتفي بالمطر. أيتها الغابة لماذا ترخي أشجار الصنوبر أغصانها في المساء كأنها تغفو على حلم الضياء. ولماذا لشجر الحور وجهان: وجه كرونق فضة ووجه كاخضرار عميق؟
شجر هو الإنسان أيتها الغابة الحميمة. فحين يسدل الضوء أجفانه علينا، ونشتف منه خفايا الظلام. ترخي الظلال كهولتها على روحنا حين نغفو على وسادة الأحلام. وحين ينهضُ العشبُ مثلنا في هطول الصباح. ستبتل وحشتنا بالندى كأن لم يمر علينا الظمأ والظلام. النخل في خليجنا يثقله الرطب وتشي بفتنته ارتعاشات الظلال. الماء تحضنه السحب وتشي بفتنته انفجارات الينابيع.
أيتها الغابة يا أمومة الطبيعة، ها هي الطيور تبني أعشاشها بين أغصانك مطمئنة تحضنها المحبة والسلام!.