أتخيل أنه لو يعود الأموات إلى الحياة، ويخرجون من الأجداث فجأة، فماذا سيحدث؟. سوف يرون العراق صار أعراقاً، وليبيا صارت طرائق قدداً، وسوريا تئن من كثرة الجيوش التي تلعب الشطرنج على أرضها، واليمن أصبح تحت وطأة شريحة امتلأت كراهية، إلى درجة أنها باتت تنخر عظم الحقيقة، وتتمادى في التدليس، ولم تصح بعد من سكرة الشوفينية، مرتمية بين أفكاك الذين يتأبطون شراً لكل ما هو عربي.
أما السودان الذي أصبح مثل إزار قطع نصفه، والآن يبحث أهل السودان من خلال الإزار المشقوق عن حرية لا تأتي، وعن ديمقراطية ربما تكون قد غطست في النيل، وليس لديها من قارب ينقذها من الغرق.
وفي الجزائر، لا تزال صورة عبدالعزيز بوتفليقة، تحوم أمام أعين الأسمر، فلا يتصور هؤلاء أن تكون الجزائر من دون نداء يقول: (وأبونا شيخ كبير)، ليستعطفوا من به قلب لم يتلوث بعد بالصعقات الكهربائية التي شلّت أعصاب بني الربيع العربي، وحوّلت ساحات العمل إلى ميادين لرفع الشعارات، والتسكع في الشوارع والمدارس مغلقة، ومؤسسات الدولة عاطلة عن العمل.
أقول لو يصحو الأموات، ويرون ما يراه النائم من أضغاث أحلام، سوف يفضلون مقابرهم على أوضاع العرب وأحوالهم المزرية. إنها الصدمة الكبرى، والأشد من يوم الحشر، وضيق الحال الذي تمر به هذه الشعوب، أضيق من القبور، وأكثر عتمة.
اليوم الديمقراطية أصبحت اللعبة الأشد جذباً، لكل من يريد أن يعبث بمشاعر البسطاء، والناس (الغلابة) الذين لم يذوقوا طعمها على أرض الواقع، فجاء من يعرف كيف يصطاد بالماء العكر، وجاء من يتقن حرفة التلاعب بمصير من فقد المصير، وأصبح يلهو بنفايات التاريخ، لعلها تصبر الملهوف، وتعين المكلوف، وترفع الهم عن كل فاقد ومشغوف. فمن يصدق أن عراقياً ينام في العراء، ويطلب العون من لا يملك ما يعين به؟
من يصدق أن ليبياً يغامر بحياته ويحاول عبور البحر المتوسط هرباً من حرب الأخوة الأعداء، ومن يصدق أن تعداد سكان سوريا الثلاثين مليون نسمة، يتحول بقدرة قادر إلى أقل من نصف هذا العدد.
من يصدق أن ما يحدث في اليمن هو نتيجة لفساد الضمير الوطني والذي أوصل الحوثي إلى قناعة اليمن هو حوثي، وأن الحوثي هو اليمن. من يصدق كل هذا العصاب القهري الذي منيت به العروبة، ومن يصدق الحمل الكاذب الذي جاءت به أحلام مراهقي السياسة، ومن غاصت عقولهم في أوهام الديمقراطية، حتى أصبحت الديمقراطية سبة، وليست سمة أخلاقية تسعى لها الشعوب، لتمسك بزمام الوعي بشكل الحضارة وقيمها وثوابتها وضوابطها.