أتخيل لو توقف التويتر يوماً، لأي سبب من الأسباب، فماذا سيفعل المتشاحنون، والمحتقنون، والمتشاتمون، والذين استخدموا هذه الأداة الحضارية وحولوها إلى قناة مائية مليئة بالحثالة، والحشرات النافقة، وبقايا فضلات؟
أتخيل ذلك وأنا أتابع أحياناً ما تلفظه بعض العقول من نفايات التاريخ، وأحافير أفكار، ومومياوات نسي المشرحون تحنيطها بشكل جيد، فتركت هكذا في عفنها ونتانتها.
أتخيل كيف وصلنا إلى حافة الوعي، وتجاهلنا كبشر دورنا الحضاري في استخدام التويتر، ليس للسباب، ونشر الغسيل القذر على حبال عصبيتنا، وحماقتنا، وسذاجتنا، وإنما لبناء علاقات سوية مع الآخر، ونشر ثقافة التواصل على صفحات جداول ماء صافية، من دون أفكار مثقلة بالأنانية، ومحملة على متن عربات صدئة، ومكسوة بغبار الأيام الخوالي.
أتخيل أن هؤلاء الناس لو تعطل التويتر يوماً ما، فسوف ينزلون إلى الشوارع، ويتراشقون بالحجارة، ويتشابكون بالأيدي، ويستعيدون عصور ما قبل الوعي، وتصبح الحياة مثل غابة كائنات متوحشة.
أتخيل ذلك، والشواهد الموضوعية تدل على ذلك، لأن الناس أصبحوا لا يطيقون حتى الثياب التي تستر عوراتهم، أصبحت صدور الناس في زحمة الأنانية، أضيق من ثقب الإبرة، وأرواحهم مثل صفائح أنهكها الصدأ، وقلوبهم مثقوبة بأشواك الكراهية، وعيونهم لا ترى أبعد من أخمص القدم.
أتخيل أن رواد التويتر، تمرّست أصابعهم على كتابة الكلمات النابية، والألفاظ البذيئة، مما يصعب عليهم الأمر، ويجعلهم مثل أطفال الروضة، لو حاولوا كتابة كلمة، مبهجة، أو تسجيل عبارة تبشر ببناء علاقة حميمة مع الآخر.
أصبحنا نكره شيئاً اسمه تويتر، ليس لخطأ في التويتر وإنما للوثة عقلية أصابت كل من لديه الاستعداد لولوج حوار ما، حتى ولو كان يخص الطبيخ فسوف تجد من الكلمات ما يندى له الجبين. فلا أحد يتحمل رأي أحد، ولا أحد يعترف بأفكار أحد، فكل يقول: أنا ابن جلا وطلاع الثنايا - متى أضع العمامة تعرفوني.
كل يقول أنا هنا، فليصمت الجميع، أنا الحقيقة، وغيري هراء، وافتراء. هذه هي الأنا، عندما تتورم، تصبح جبلاً من نار، ويصبح الإنسان صخرة «سيزيف» كلما دحرجها سيزيف إلى الأعلى، كلما ناء بها ظهره وانحطت إلى الأسفل. الناس أصبحوا يعيشون بالنوايا، ولا يخطبون ود الحياة، كما هي بفطرتها النبيلة. الناس غادروا منطقة الأحلام الزاهية، وارتموا في أحضان الوهم، وخداع الصور الكئيبة.