بين علوية وشيرين اهتزت جائزة الروائيين. الأسماء الواردة هنا باتت معروفة. الأولى هي الروائية اللبنانية علوية صبح، والثانية هي الناقدة والأستاذة الجامعية المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا، أما “الثالثة” فهي الجائزة الدولية للرواية العربية المعروفة باسم (البوكر العربية). هذه الجائزة، ولدت قبل عامين بالغة، لكن آلام ما بعد الولادة كانت أصعب من آلام المخاض، على الرغم من أنها تمتلك ثلاثة عوامل للنمو والاستقرار في بيئة طبيعية: فهي أولا على صلة نسب بالجائزة البريطانية المعروفة بالاسم نفسه، وهي ثانيا اتخذت من أبوظبي، عاصمة الحراك الثقافي الناجح، مقرا لانطلاقتها ولفعالياتها، وهي ثالثا تحظى برعاية مؤسسة الإمارات للنفع الاجتماعي المعروفة بمبادراتها الريادية. في البداية شكك البعض بكفاءة ونيات المبادرين والمؤسسين، وفي العام التالي أعلن الناشر رياض الريّس انسحابه من مجلس الأمناء من دون أن يوضح الأسباب (وقد فسّر البعض انسحابه بأنه احتجاج على عدم فوز ترشيحاته)، وهذا العام دخلت الجائزة وإدارتها في مهب حملة انتقادات انتهت بإعلان انسحاب شيرين أبوالنجا، من اللجنة التحكيمية، احتجاجا على أسلوب النقاش وقرارات اختيار الروايات المرشحة على القائمة القصيرة. حملة المنتقدين، التي انطلقت من صحف القاهرة ومنابرها قبل أشهر، كانت استباقية بكل معنى الكلمة. فقد ركزت على أن نية إدارة الجائزة تتجه لاختيار رواية علوية صبح “اسمه الغرام”. وعلى الرغم من أن هذه الرواية ليست أفضل من عملي صاحبتها السابقين “مريم الحكايا” و”دنيا”، وهي (بالتأكيد) ليست من أفضل الروايات المرشحة، إلا إنها دفعت ثمن حملة غير موضوعية وقرار لم يعتمد الأسس النقدية لإخراجها من القائمة القصيرة. لكن أسوأ ما في الحملة، هو اللعب الممجوج على الوتر الإقليمي بل القطري. فالإنتاج الأدبي المصري كان على الدوام مصدرا ثريا من مصادر الثقافة العربية، بأصالته وانفتاحه وتأثيره. وقد تربت أجيال ـ وما زالت ـ على أساتذته ودروسه. وعندما تثار مشكلة عنوانها “حق مصر” في ترشيح أكثر من عملين للقائمة الطويلة، فهنا يقع التقزيم، الذي لا تتقصده قاعدة الترشيح والاختيار. وهي بالمناسبة القاعدة المتبعة في كل الجوائز الأدبية ومنها الجوائز المصرية نفسها. لقد دخلت الحملة على (البوكر) في شطط خطير، حينما شبه أحدهم، في منبر ثقافي محترم، الترشيحات بما جرى في مباراة كرة القدم بين مصر والجزائر. فإذا كانت تلك المباراة قد حمّلت أكثر مما تحتمل (من الطرفين) وتركت ندوبا تنزّ بين شعبين شقيقين، فإن انتقال الأسلوب نفسه إلى النخب المثقفة يؤشر إلى ما لا تحمد عقباه. في الدورتين السابقتين فاز مصريان بجائزة (البوكر العربية). كانت جائزة الدورة الأولى من نصيب “واحة الغروب” لبهاء طاهر، وكانت جائزة الدورة الثانية من نصيب “عزازيل” للدكتور يوسف زيدان. فازت الروايتان بجدارة، على الرغم من وجود منافس قوي لرواية زيدان، تمثل بالرواية الملحمية للفلسطيني إبراهيم نصرالله “زمن الخيول البيضاء”. وهذا العام يغيب الإنتاج الروائي المغاربي كليا عن القائمة القصيرة، ولم يخرج صوت واحد يشكك، أو يطالب بضرورة “التنويع” الوطني في الاختيار. هل نجت (البوكر العربية) من الحملة التي استهدفتها؟ باختصار نعم، لكن باختصار أيضا: لم تسلم الثقافة العربية نفسها من آثار تلك الحملة. فالمثقفون انشغلوا بمعارك مقيتة سحبت منهم أدواتهم في السجال والتقييم النقدي، وجعلتهم يستعيرون ما بأيدي السياسيين والجنرالات من أسلحة.. ويبحثون عن أسس جديدة للجوائز، ليس بينها الإجماع أو التصويت، وإنما الاستفتاء العام أو القرعة! عادل علي adelk58@hotmail.com