ثمة مدّ كاسح ومجنون لبعض الموسيقى وفرق الغناء اليوم، يشكل علامة سىهَم من أكثر علامات هذا العصر الأميركي المفترس الآلي والمعولم تعبيراً إن فرق البنكس ذًََِّّ ''الزعران'' في أميركا وأوروبا تكتسح المجتمعات الشابة والمراهقة اكتساحاً لا مثيل له· إنهم عبثيون، متحررون، مجانين، صاخبون، تدميريون وهم لحظيون وأصحاب ارتجال موسيقي على الآلات الإلكترونية الصاخبة، ولكلمات الأغنيات التي يحشرجونها كما قال فيهم هوارد ديجوتو: ''يأتون من لا مكان، ويسيرون إلى لا مكان''· بروحٍ فجة وأجساد فجة ومنفلتة وآلات فجة تتآخى وتتعانت مع أجساد المغنين، يرسمون بالموسيقى والغناء علامة من علامات هذا العصر· إنها موسيقى وحشية في زمن وحشي· ومثلما كان للعصور الوثنية والعصور الدينية والعصور الكلاسيكية موسيقاها المعبرة عن هذه المدنيات فإن للعصور الحديثة وما بعد الحداثة موسيقاها المعبرة عنها·· وتختلط الكلمات بالألحان فنصغي لصخب الآلات مختلطاً بالصرخات الهستيرية وتفلّت المعاني أو تفككها وكشف المستور الاجتماعي والجسدي خاصة، فيما يشبه حفلات جنون جماعية· يقول سكوت لاش ''موسيقى البوب ذدذ هي موسيقى ما بعد حداثية· إنها تعبّر تعبيراً صاخباً عن طاقات القلق الهستيرية المنفلتة من عقالها لدى الشباب فثمة كبت متراكم لجهة النزعات والغرائز الجسدية واحتجاج على عادات المجتمع وطقوسه، واعتراض صارخ على الحروب والفظاعات التي تقوم بها جيوش الغرب الأميركي في أكثر من بلد في العالم''·· يكفي أن نحضر أو نشاهد على شاشة التليفزيون، حفلة مفتوحة في ساحة أو مسرح في العراء، لإحدى الفرق الأميركية، حتى نفتح عيوننا على آخر اتساع الدهشة· نشاهد على المسرح عدداً من المغنين الراقصين يلبسون لباساً بدائياً وثياباً ممزقة أو غريبة لا تستر من أجسادهم أكثر مما تظهر، شعورهم منكوشة ولحاهم مطلقة وربما وضعوا على رؤوسهم وجوههم أصباغاً أو لبسوا قروناً وربما وضعوا في آذانهم أو أنوفهم أقراطاً، أو حملوا بعض الدفوف وربطوا أقدامهم ببعض الخلاخيل·· بين أيديهم آلات عزف أو نفخ صاخبة كالساكسوفون الإلكتروني·· ويتحركون على المسرح بحركات سريعة جنونية·· ويقفزون نحو الجمهور أو يختلط بهم الجمهور الصاخب·· ولو أصغينا للكلمات لوجدناها سوقية ملمومة من أفواه أناس عاديين وأولاد شوارع وربما مومسات أو سوقة وربما منحرفين·· وربما انطوت على جمل سياسية جارحة·· وهكذا، فهذا العصر المتوحش الأميركي، تناسبه موسيقى متوحشة تشبهه ولكنها في الوقت نفسه تهدمه