ذهب منتخب التانجو إلى الأرجنتين وذهبت قبلات مارادونا إلى غير رجعة.. فلا قبلات بعد اليوم يا دييجو ! ماذا تبقى من كأس العالم ؟ المونديال الآن بلا مارادونا وبلا ميسي وبلا دونجا.. ذهب الراقصون وذهب السحرة ولم يتبق سوى الثور والماكينة ! بعد السقوط المروع الجالب للشفقة لميسي ورفاقه ذهب مارادونا كالعادة لممارسة العادة الجميلة .. لكنها لم تكن جميلة هذه المرة .. فالقبلات بعد الأربعة كانت فاترة ميتة لا روح فيها ! وبدلاً من أن يذهب دييجو إلى المؤتمر الصحفي وهو يضع سيجاره الكوبي الشهير في فمه ويوزع الابتسامات ويفتخر بالفوز .. ذهب هذه المرة وهو مطأطأ الرأس معترفاً بأحقية المانشافت الرهيب . لم يرد على منتقديه على الذين ذبحوه بسكين بارد هذه المرة.. قالوا ليس مدرباً بل مهرجاً.. قالوا يوزع القبلات على الصحافة وليس على اللاعبين .. نعم لم يرد.. بل كان رده بأنه سيرحل وربما لا يعود! ربما لأول مرة يكسب الجوهرة السوداء بيليه معركته مع مارادونا هذه المرة .. لقد ظل يردد أن توليه التدريب خطيئة سيدفع ثمنها منتخب بلاده .. ظل يردد “ كيف لإنسان مستهتر طوال حياته حتى وهو لاعب أن يكون قدوة ورافعاً لشعار الانضباط” ! لم يصبح أمام عشاق المونديال الآن سوى الألمان .. وعلى الرغم من انضباطهم وجديتهم وصرامتهم.. إلا أنهم يلعبون الكرة الجميلة أيضاً.. أليس في تسجيل الأهداف متعة ؟ أليس في تكرار الرباعيات على الكبار متعة ؟ أليس في هذا الأداء الجماعي المثير للانتباه والرعب متعة ؟ إنهم ذاهبون إلى حيث أرادوا وإلى حيث أراد هذا المدرب لوف قائد الأوركسترا الحقيقي في هذا المونديال. وعلى الرغم من سقوط نظرية التوقعات بعد ما حدث من دراما أمام غانا وأوروجواي، وبعد ما حدث من دراما أمام إسبانيا وباراجواي، وبعد ما حدث من رحيل كان أشبه بالعار على الإنجليز والطليان والفرنسيين والبرازيليين والأرجنتينيين.. رغم كل ذلك أراني منحازاً وبصورة مطلقة للألمان.. ففريق بهذه الروعة وهذه القوة وهذه الروح وهذا الانصهار في بوتقة الفريق من الصعب أن يخرج خالي الوفاض .. وإلا فقل على ما تبقى من كرة القدم السلام! كلمات أخيرة تعاطفت جداً مع مستشارة ألمانيا أنجيلا ميركل التي لم تبال مطلقاً “بالبرستيج” وراحت تعبر عن فرحتها بعفوية وحرية مع كل هدف من الأهداف الأربعة.. كانت تقف وتصفق وتسلم وتقبل.. إنها الرئيسة الإنسانة الفرحانة ببلادها وإنجاز المنتخب الألماني الذي يسر الناظرين ويمتع الملايين. “عائد من الموت” كان عنواناً معبراً للغاية للحالة التي كان عليها منتخب أوروجواي أمام غانا.. وسبحان مغير الأحوال فبعد أن أضاع مهاجم غانا أسامواه ركلة الجزاء في آخر ثانية من المباراة .. فازت أوروجواي في نهاية الأمر بركلات الترجيح وكأنها بالفعل قد ماتت ثم عادت للحياة ! لا زلت مندهشاً من طريقة تسجيل ركلة الجزاء الأخيرة والحاسمة التي سجلها نجم أوروجواي أبريو .. لقد سجلها بعبقرية وبأعصاب لا تتوافر للبشر في مثل هذه اللحظات والمواقف.. “كم أنت جبار يا بني آدم”! mahmoud_alrabiey@admedia.ae