لم يكن للكثيرين منا أن يعرفوا رحيل عام هجري، وحلول عام جديد لولا الأنباء المتعلقة بالعطلة الرسمية، فمثل هذه المناسبة تحل بهدوء وسكون، لولا ضجة الإجازة الخاصة بها. وهذا العام حرم مقتنصي الإجازات ممن يعشقون “النوم في العسل”، الذين يريدون كل أيام الله أن تكون إجازات، وتحايلاً على أيام العمل من دون أن ينال ذلك من إجمالي الراتب في نهاية كل شهر. في عطلة هذا العام كانت هناك ملاحظتان، الأولى تتعلق بسرعة إعلان الهيئة الاتحادية للتنمية البشرية عن عدم ترحيل العطلة، حتى قبل ثبوت حلولها، على الرغم من الجدل الدائم الذي يرافق بدايات الأشهر في التقويم الهجري. أما الملاحظة الثانية فتتعلق بإعلان وزارة العمل أن العطلة بالمناسبة للقطاع الخاص، يوم الجمعة، وهو أصلاً يوم عطلة رسمية للغالبية، وأنه سيكون يوماً مدفوع الأجر لمن يعمل في هذا اليوم، وهو توضيح تحصيل حاصل، لأن قوانين العمل تنص أصلاً علي أن يكون العمل الذي يصادف يوم عطلة، مدفوع الأجر. وفي الوقت الذي يقودنا هذا الموضوع لمقدار”الجفاف” الذي يعاني منه العاملون في القطاع الخاص فيما يتعلق بالإجازات والعطل الرسمية، قياساً لنظرائهم في الدوائر الحكومية والرسمية، وكذلك فيما يتعلق بساعات وظروف العمل إجمالاً والامتيازات، الا أنه يكشف حدود تفشي “ثقافة التكاسل” عند البعض، ممن أدمنوا اصطياد الإجازات واستغلال المناسبات. ولعل أوضح نموذج تجلى أمامنا كان يوم هطول المطر بغزارة على العاصمة ومختلف مناطق الدولة مطلع الأسبوع الماضي، حيث أنهالت علينا الاتصالات، والكل يريد أن يتأكد إذا كان اليوم التالي، يوم عطلة رسمية، ولئن كان ما تمنوا قد تحقق، فإننا بذلك نكون قد أدرجنا عطلة ننفرد بها من دون سائر الأمم نطلق عليها إجازة “يوم المطر”. مواقف تشهد بتفشي “ثقافة التكاسل” تلك، حيث لا ينظر أصحابها للعمل الذي يؤدون، والمكان الذي يمارسون منه هذا العمل، سوى أنها أداة من أدوات كسب المعيشة لا أقل أو أكثر، ومتى ما استطاعوا “عصر” الفرص والامتيازات المتاحة لهم منه، كلما كان ذلك أفضل وأجدى. ومما يثير القلق أن هذه النظرة قد امتدت لشرائح واسعة من جيل المستقبل، الذي نراهن عليه، وهو ينظر الى مدرسته، والمكان الذي يتلقى فيه العلم، نظرة لا تختلف عن تلك الفئة التي أشرت اليها من الموظفين، بل تفوقوا عليهم وهم يفرضون ما يمكننا تسميته بإجازة “الأمر الواقع”، والتي شهدت معها العديد من المدارس عشية سقوط الأمطار الغزيرة نسبة غياب عالية بين طلابها. وبعيداً عن تلك المظاهر والإشكالات، دعونا نستقبل العام الجديد بما يليق ببهائه وألق المناسبة التي تمثلها، والتي أرخت لعهد جديد للإسلام والمسلمين. عهد أنطلقوا به نحو أصقاع الأرض، يحملون رسالته الخالدة، وينشرون عقيدته وجوهرها الوسطي السمح الحنيف. ومع إطلالة العام الجديد نبتهل إلى الخالق عز وجل أن يجعله عام أمن وأمان، وحب وسلام، وعمل وإنتاج، وفلاح ونجاح. وأن يديم على هذا الوطن الغالي التقدم والازدهار والخير والرخاء في ظل قائده خليفة الخير وإخوانه الميامين.