الآن أصبحنا في العام الجديد، بل إنه اليوم الثاني منه.. تمر اللحظات علينا بالكثير من التفاؤل، وفي قلوبنا أمنيات بأيام أفضل وأشياء أروع.. يهتم الغرباء بأحوال أوطانهم، أمنياتهم أن يكون أهلهم هناك بخير، وأن تحسم تخبطات العام الماضي، وأن تنمو أحلام الصغار البريئة بأمان فلا تغتالها أحقاد مفخخة، ولا تصوبها بنادق قناصي الأمنيات، ولا يكبت ارتفاعها شخص يظن أنه وحيد عصره. يهتم أهل البيئة بكوارثها، يريدون عاماً طيباً لا تنفعل فيه الأرض غضباً، لا تثور فيه براكين نائمة، ولا تتحرك القارات محدثة زلازل مفاجئة، يريدون عاماً هادئاً لا تزوره الأعاصير التي تحول مدنا إلى خراب كبير، ولا يعرف أمطارا حمضية ولا تفجيرات نووية ولا أي تسرب إشعاعي.. ولا حتى سقوط مركبة فضاء على رؤوسنا. يريد العلماء انتصارات علمية، حلولاً لمشاكل أرّقت العالم، ربما مصل يقي من السرطان، أو علاج نهائي شامل يشفي من السكري، أو حتى فتح معلوماتي كبير يغير تقنيات العالم، أو على أقل تقدير عام لا يعرف انفلونزا جديدة ولا مرضاً لم يعرفه الناس. يحلم المعلمون بعام تعليمي مبتكر، ينضبط فيه الطلبة، ويكونون أكثر احتراماً لأساتذتهم، يتغير فيه الواقع التعليمي ليصبح أكثر مرونة وأكثر تقديراً لحاجات الطلاب والأساتذة، يريدون عاماً ينتهي بفخر إنجاز المطلوب وفرح حصد النجاح، والأفضل من ذلك عام بلا حوادث حافلات ولا إصابات مدارس. يريد الإعلاميون عام حرية رأي، عام احترام وجهات نظر الآخرين، عام تعبير عن الحق وخدمة قضايا الحق، عاماً يرفع قدر الكلمة ويترك فيه الإعلامي يؤدي واجبه، عاماً يقل فيه مطربو الفيديو كليب وتستحي فيه المطربات من أنفسهن، عاماً يهتم فيه الناس بقراءة الأخبار الجادة، وتنخرس فيه ألسنة صحف الفضائح المفبركة. كما يتمنى رجال المرور عاماً بلا حوادث، بلا استهتار يحصد الأرواح، بلا موت شبان على أرصفة الشوارع، بلا إصابات بليغة، لكن بالطبع لا يمكن أن يتمنوه بلا مخالفات ولا رادرات ولا قناص! يريد أهل الثقافة عاماً مليئاً بمعارض الكتب الجادة، وأن تتوقف كل كتب الطبخ والأبراج عن الإصدار، وأن تفلس دور نشر كتب الضحك على الذقون، يريدون عاماً مليئاً ببرامج النثر والأدب، وأن يعود الناس للقراءة الورقية مرة أخرى، ليكون شعار كل الناس: خير جليس في الزمان كتاب. يريد كبار السن عاماً من التواصل مع أسرهم، يظنونه لن يكون عاماً كاملاً بالنسبة لهم، ويريدون العودة مرة أخرى لواجهة الحياة، أن يقرروا وأن يفكروا لأبنائهم الذين كبروا، أن يعيشوا مع أحفادهم أو أصدقاء العمر الباقين، يتمنون مزيداً من التواصل في عام قد لا يكون عاماً كاملاً لأعمارهم. الكل يريد ويتمنى، في كل مجال من مجالات الحياة، وشخصيا أتمنى عاماً أجمل وأفضل لي وللجميع، نقضيه في لحظات نستطيع أن نعتبرها ذكريات سعيدة بعد عام. فتحية البلوشي