في كثير من المراحل التاريخية صنفت فئة من الفئات البشرية ذات الثقافة المختلفة بأنها فئة ظلامية، وهذا النعت تراشقته الأيدلوجيات والثقافات فيما بينها. فعلى الصعيد الغربي صنف المتنورون على أنهم ظلاميون ومهرطقون ومخربون، حيث أمعنت الكنيسة فيهم تعذيبا وقتلا وتمثيلا إلى حد حرقهم وهم أحياء، في الوقت نفسه كان المتنورون ينعتون الكنيسة بالمتخلفة والظلامية. في التاريخ العربي وخلال القرن الماضي، أمعن الكثير من الحكومات العربية في محاربة المثقفين وتهميشهم واعتقالهم، حيث أدب السجون شاهد كبير على ذلك؛ وهؤلاء متعاطو الثقافة حوربوا من جهتين، السلطة الرسمية وكذلك من المتشددين في السلطة الدينية. وفي الفترة الماضية وبالتحديد بعد أحداث الحادي عشر من ديسمبر2001، حيث بدأ ما اعتبر مرحلة الحرب على الإرهاب انبرت معظم الاقلام التي صدقت الصراخ الغربي وضجيجه في محاربة ما يمكن ان نطلق عليه الارهاب القادم من الشرق، لتمضي بكيل الاتهامات مثل الرجعية لكل من يخالف الطرح أحادي الفكرة، كما اصبح يشار إلى كل من يتفوه بشيء من التعصب لثقافته الدينية او يتلفظ بجمل فيها من النقد للثقافة الغربية، بأنه ارهابي او جانب شيء منه. وخُلط حد العمى بين أولئك المتفوهين وتلك الجماعات المتطرفة، التي اتخذت الجحور ملاذا من المطاردات التي لا ندري هل ستستمر ام ستتغير السياسة كالعادة ويصبح الصديق عدوا والعدو صديقا؟! عموما، الظلامية نعت نال الجميع في فترات التاريخ البشري، حيث يعتبر كل مخالف فكريا لثقافة ما او ايدلوجيا ما، رجعيا ومتخلفا ومن سكان الظلام. لكن أليس من يعيش في الظلام هو من لا يستطيع ان يرى نفسه؟ نعم، اعتقد ان الظلام والرجعية هما عدم القدرة على اكتشاف الذات والسير بها نحو النور الذي تمسه وتحسه النفس ويتصالح معه الفكر دون خوف او تردد؛ اكتشاف يذهب بصاحبه إلى الاعلى، الى التسامي والتطهر الدائم بالرؤية الجميلة والعميقة للحياة. الظلامية هي ان تقاد مع العامة من البشر دون أن تتساءل او تتوقف لمراجعة الفكر، لمعرفة حقيقة الاهداف وتفكيكها وتشريحها ومن ثم اتخاذ القرار بقبولها او رفضها بمنطق معافى وسليم لا يؤذي الروح ولا القلب. ذلك لأن بوصلة الانسان هي لحظة الصفاء التي يشعر بها في روحه وقلبه وعقله، لحظة ينسجم فيها مع سلوكه وتفكيره، مع الطبيعة بمائها وهوائها ورملها وشجرها ومخلوقاتها، لحظة من النور والظلام، مع نهار الشمس الباهر وظلام الليل الدامس. مع بهاء القمر.. هي لحظة تختار فيها حياة تتلاءم وكل تفكير سوي معافى من الشر. سعد جمعة saadj mah@hotmail.com