يوم أمس الأول، ضجت الهواتف النقالة بكم غير مسبوق من الرسائل النصية لتبادل التهاني، بمناسبة خفض قيمة المخالفات المرورية المرتكبة بنسبة 50% كان الناس يتبادلون التهاني كما لو أننا نستعد لاستقبال عيد، في مظهر يكشف وطأة المشكلة وقيمة تلك المخالفات التي تراكمت على أصحابها.
سارع كثير من المخالفين لتسوية وسداد مخالفاتهم خوفاً من أن تعود مديرية المرور والدوريات عن الخطوة، ومما عزز من هذا الاعتقاد صمت المسؤولين في المديرية وعدم تعليقهم على الأمر. رغم أنه كان فرصة لهم لتذكير الرأي العام بأن شرطة المرور لم تكن في يوم من الأيام تسعى من وراء تحرير تلك المخالفات لزيادة مواردها المالية، بل بقدر الإمكان لتنفيذ اللوائح والقوانين التي وضعت أساساً لحماية الناس، وضمان التنقل الآمن لهم. ومن كثرة المخالفات المرورية التي يرتكبها البعض، لا تستوقفه حقيقة تحديد المسؤول عن الأمر، وإنما يسارع ليقول إن الشرطة تتعمد إيقاعه في مصيدة الرادار والمخالفة. ولكن في لحظة صدق مع النفس يعترف هؤلاء بأنهم تجاوزوا السرعة المحددة للوصول إلى مقاصدهم في موعد محدد، بينما لو حرص أي منهم على الخروج في وقت مبكر لجنب نفسه والآخرين قضايا وتبعات الجميع في غنى عنها.
أكثر الذين استفادوا من الخطوة أولئك الذين تراكمت عليهم المخالفات ووصلت إلى أرقام كبيرة، جعلت البعض منهم يقترض لسدادها، وآخرين تركوها تتراكم ليجدوا أنفسهم في مخالفات أخرى في مقدمتها عدم تجديد ملكيات سياراتهم جراء تراكم تلك المخالفات. تصوروا هناك البعض عليه مخالفات تتجاوز قيمتها السبعين والخمسين ألف درهم. وأغلبهم يرمي بالمسؤولية على السائق الخاص، أو على صديق استعار السيارة لبعض الوقت.
والحقيقة أن “الرادارات” المنتشرة غيرت من سلوكيات الكثيرين، وبالذات الشباب الذين لم يعودوا يسلمون مفاتيح سياراتهم لأصدقاء كما كان من قبل، وجعلت فئات أخرى أكثر التزاماً بالسرعات المحددة، واللوائح بعد أن تحولت قيمة تلك المخالفات إلى عبء يلهب الجيوب.
وكمتابعين لما يجري، نتمنى أن تكون الرسالة قد وصلت حول الهدف من هذا الإجراء الأخير بخفض قيمة المخالفات المرورية، وأن يتبدد اعتقاد البعض حول وجود تصيد وتعمد لهم للإيقاع بهم في شراك “القناص” أو “الجن” أو غيرهما من الأدوات الجديدة التي أدخلتها شرطة المرور إلى شوارعنا لعلها تلجم شيئاً من الجنون القاتل الذي ينطلق عبر تلك الشوارع والطرق، وحصد أرواح عشرات الأبرياء، كما لو أننا في حرب مع الآلة ومع الإنسان. والأكثر إيلاماً أيضاً في الأمر وجود عشرات الشباب الذين خرجوا من تلك الحوادث المرورية الدامية بإعاقات دائمة وأصبحوا أسرى الكراسي المتحركة وأسرة مراكز التأهيل. نتمنى من القلب فعلاً أن تكون هناك صفحة جديدة ننظر فيها بإيجابية لهذا الجهد الكبير المبذول من إدارات المرور لحماية الأرواح والممتلكات في مجتمع ينظر إلى موارده البشرية بتقدير كبير، ويحرص عليها باعتبارها أحد أهم أدوات الرهان والتحدي في مواجهة المستقبل، فالقضية لم تكن منذ البداية وحتى النهاية مجرد تحصيل قيمة مخالفة وزيادة موارد شرطة المرور، كما يحاول البعض تصويرهها وتفسيرهها، وسلامتكم.


ali.alamodi@admedia.ae