تحولت الفتاوى من حاجة دينية اجتماعية يستهدي بنورها المسلم المتعطش لليقين والتثبت والاستبراء لدينه ليسلك بواسطتها الطريق القويم كما أراد له ربه ودينه، تحولت هذه الأيام الى سوق لترويج أفكار وتقاليع إن جاز لنا القول، وإلى ما يشبه المبارزة بين بعض المفتين وبعض رجال الدين حول أيهم يخالف الآخر وأيهم يأتي بالغرائب وأيهم ينال بفتواه جائزة أغرب فتوى وأجمل فتوى وأكثر الفتاوى انتشاراً وأسرعها تداولا بين الناس !!
إن أغرب فتوى تم تداولها على نطاق واسع كانت من نصيب الشيخ الذي أفتى بإرضاع الرجل الكبير منعاً لمحاذير الاختلاط والخلوة غير الشرعية بين المرأة والرجل الغريب عنها في العمل أو السيارة أو .... وهنا يجوز لها أن تقوم بإرضاعه خمس رضعات مشبعات فتصير بذلك أمه ويصير ابنها وبذلك تنتفي عقدة الاختلاط والخلوة المحرمة !!
بالله عليكم نحن نتساءل – ونقر بأننا لا علم لنا في أمور الفتوى – هل يمكن قبول هذا المنطق الغريب ؟ أي امرأة هذه التي ستختلط بالغرباء ويصير من واجبها ارضاع زميلها كي تأمن شر الخلوة ؟ لاشك أنها المرأة الموظفة في دوائر ومؤسسات حكومية وغير حكومية وهذه المرأة إما غير متزوجة وهنا يصعب تحقيق عملية الرضاعة وإما متزوجة ما يجعل الأمر مستحيلا لأنه ما من رجل سيسمح لزوجته بإرضاع رجال غرباء !!
لقد عرضت هذه الفتوى وفتاوى أخرى مثل ضرورة قتل الفأر ميكي ماوس بطل سلسلة الرسوم المتحركة الشهير باعتباره كائناً نجساً ، وفتوى تحليل الغناء والمعازف ، نقول عرضت مؤسسة الإفتاء برموزها ورمزيتها ومكانتها للسخرية حيث أصبحت في مرمى النكات والتعليقات، ثم أنها جعلتها عرضة للتفكك من الداخل حيث قام رجال الدين المعارضين لهذه الفتاوى العجيبة كالشيخ عبدالرحمن السديس بمهاجمة وانتقاد مصدريها ومطالبتهم بالتوقف عن ذلك !
المتأمل لحال كثير من المسلمين يجد عندهم أمراً عجيباً في علاقتهم بالدين فهم يخشونه ويعملون على الالتزام به كل على طريقته، وهم يبحثون من خلال الفتاوى عن ما يعتبر حراما في الدين أكثر مما يبحثون عن ما هو حلال مع أن الأصل في الأشياء كلها الإباحة وليس التحريم ففي القرآن الكريم يقول الله عز وجل عن نبي الله يعقوب “ كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل الا ما حرم إسرائيل على نفسه “ ويعقوب أو إسرائيل هو الذي حرم على نفسه الخمر ولحم الخنزير .
لماذا يسعى الإنسان الى التضييق على نفسه والبحث عن المشقة في الدين تحديداً مع أن الله قد أرسل رسله للتبشير والتيسير وليس العكس ، وقد سمى الإسلام لذلك بالشريعة السمحاء؟ فهل يفعل البعض ذلك جهلا ؟ أم سعياً للمزيد من التقرب لله وكبح جماح النفس؟
إن الفتوى في نهاية الأمر هي سؤال أو استفسار يتوجه به الفرد المسلم العادي لرجل يثق في علمه ونزاهته وعدله وتعمقه في دينه بشهادة علماء معروفين ، وهو الى جانب ذلك معروف بقدرته على القياس الاستنباط والاجتهاد ، وقد يقع الإنسان في خطأ التوجه لسؤال شخص لا يعلم وهنا فلا عيب أن يقول هذا الشخص بأنه لا يعلم ، من تمام العلم أنه اذا سئل فيما لا يعلم أن يعترف بذلك فمن قال لا أعلم فقد أفتى !


ayya-222@hotmail.com