عندما هبطت الطائرة بنا في مطار أربيل في شمال العراق لم أكن أتوقع ما رأيته بعد ذلك، خصوصا أن هذه كانت هي المرة الأولى التي أرى فيها إقليم كردستان. وبمجرد خروجي من الطائرة أحسست بصدري يتنفس في حرية، فنحن في منطقة أعلى من سطح البحر بكثير، ولذلك أراحت صدري من تلوث القاهرة التي ضربت رقما قياسيا في درجة تلوث الهواء. ففتحت رئتي على مصراعيها لاستنشاق الهواء النقي الذي تعلو فيه نسبة الأوكسجين. كنا وفدا عربيا من فلسطين ومصر ولبنان جئنا تلبية لدعوة كريمة لحضور افتتاح معرض للكتاب العربي في مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان. وألقيت كلمة بالنيابة عن الوفد في حفل الافتتاح، وبعد أن انتهت المراسم قمنا بجولة قصيرة مع رئيس وزراء إقليم كردستان، ثم أخذت أتجول بمفردي في المعرض الضخم، ولاحظت الإقبال الهائل على الكتاب العربي الممثل لكل الأقطار العربية، وهو أمر جعلني أتيقن مرة أخرى من أهمية الكتاب وحضوره اللذين لم يتأثرا بأدوات الاتصال الحديثة. وأذكر أنني استمعت إلى محاضرة في مكتبة الإسكندرية، منذ سنوات، ألقاها أمبرتو إيكو أبرز علماء السميوطيقا في عالمنا المعاصر، وواحد من أشهر كتاب الرواية العالميين، خصوصا بعد أن أخرجت السينما روايته “اسم الوردة” في الفيلم الذي قام ببطولته الممثل العالمى شين كونري. وكان إيكو يتحدث عن مستقبل الكتاب الورقي في زمن النت، وغيره من وسائل الاتصال الأحدث، ومنها الـ IPad الذي يمكن أن يستوعب خمسين ألف كتاب، فضلا عن مئات الأفلام، وآلاف التسجيلات الموسيقية، في مساحة صغيرة لا تزيد عن حجم كتاب. وقد وضع إيكو سيناريوهات كثيرة لمستقبل الكتاب، ولكنه انتهى إلى تأكيد أهميته، وأنه سيظل باقيا على عرشه لعقود عديدة. وقد تأكدت من هذه الحقيقة في معرض أربيل، فالزحام الهائل على دور العرض والإقبال الشديد على شراء الكتب يؤكدان أن الكتاب العربي باق على عرشه، كما يؤكدان في الوقت نفسه حماسة الإقبال عليه، في إقليم لغته الرسمية الكردية. فرغم أن الكردية هي لغة الحياة الرسمية في كردستان، فإن الأدب العربي لا يزال له جاذبيته للقراءة. ولا يزال للكتاب العربي حضوره الأول في المعرض. وكان من الطبيعى أن أتوقف عند دار عرض متخصصة في النشر باللغة الكردية، واستعنت على قراءة نماذج عديدة من العناوين، فأصبت بالدهشة، لأن كثيرا من الآداب العالمية مترجمة إلى اللغة الكردية، وذلك إلى جانب الكتب الفكرية الأساسية. ووجدت كثيرا من الإبداعات الكردية المنشورة موزعة على الشعر والقصة والمسرح، فضلا عن النقد الأدبي. وأذكر أنني شخصيا اهتممت بترجمة الأدب الكردي، ونشرت عددا من دواوين أكبر شاعر كردي، وللأسف لم أستطع أن أقابله لضيق الوقت، فهو لم يكن في أربيل أثناء إقامة المعرض، ولذلك عدت إلى القاهرة دون أن آراه أو أرى غيره من الأكراد الذين يكتبون بالكردية وحدها أو من ذوي اللسانين: العربي والكردي.