ليس الأمل مادة ولا فكرة إنه موهبة· عبارة جميلة قرأتها في يوميات محمود درويش التي نشرت في كتاب بعنوان ''أثر الفراشة''· ولقد توقفت عند كلمات العبارة طويلاً، وظللت أقلبها في ذهني، وكلما قلبتها، وازددت تأملاً في كلماتها، ازددت تصديقاً لها، وإيماناً بها، واعترافاً بأنها مبدأ لا يمكن التخلي عنه· والمؤكد أن الحياة لا معنى لها دون أمل، فالأمل هو الذي يمنحنا القدرة على مواجهة كل التحديات التي تواجهنا في الحياة، وهو القوة التي ننطوي عليها فنخرج من هوة اليأس الذي قد ينتابنا إذا أصابتنا كارثة في أي جانب في حياتنا· وقد دفعني تأمل هذه القوة إلى أن أسترجع حياة الكثير من عظماء البشر عبر التاريخ، وقلت لنفسي: ماذا كان يمكن أن يحدث لأيوب في مرضه الذي ابتلاه الله به، وألقاه في هوته سنين عديدة؟ كان اليأس يمكن أن يقتله لولا الأمل الذي جعله يحارب اليأس إلى أن انتصر عليه، ويعي أن المحنة التي بدت بلا نهاية لابد أن تنتهي مهما طالت، فقد كانت المحنة ابتلاء من الله واختباراً، وكل اختبار مثل كل بلاء لابد له من نهاية، ولابد لرحمة الله أن تنهي المحنة، ما ظل المبتلَي حامداً شاكراً صابراً، مؤمناً بأن بعد الليل فجراً مشرقاً، آملاً أن يأتي هذا الفجر مهما طال الليل· ولماذا نذهب بعيداً في التاريخ، والأقرب إلينا أمثال طه حسين الذي رأى ببصيرته ما لم يره المبصرون، والذي قاوم عاهته بإرادة المقاومة التي تسلحت بأمل الانتصار عليها، وقاوم فقره بالأمل في أن يهزم هذا الفقر بالعمل الخلاّق، وانتصر على الجهل بالعلم، وظل منطوياً على الأمل في أن يحقق أحلامه التي تستبدل النور بالظلمة، واليأس بالرجاء والغنى بالفقر، وتحققت أحلامه وأشرقت أيامه، وكان القمة والريادة والرمز، ووصل إلى ما وصل إليه سلفه أبو العلاء المعري الذي كان يحمل له كل الإعزاز والحب والتعاطف والتقمص على السواء، ولذلك كان إبداع أبي العلاء موضوعاً لأطروحته التي حصل بها على درجة الدكتوراه الأولى التي منحتها له جامعة القاهرة سنة 1914 عندما كان اسمها الجامعة المصرية وظل على وفائه لأبي العلاء الذي أصدر عنه بعد ذلك كتابه عن ''سجون أبي العلاء'' وكتابه ''صوت أبي العلاء'