يشعر الإنسان بالحزن والأسى عندما يسمع عن وفاة شاب وهو في عمر الورود، ويشعر الإنسان بالفقدان المريع عندما يذهب شاب إثر حادث مؤسف، سببه السرعة الزائدة، والإضافات الميكانيكية التي تبلي الحديد، فكيف لا تهلك الإنسان.. وعندما تلمح العين الشرار المندفع من خلف السيارات المبهرة بنشاطها نقول اللهم استر والطف، لأن الذي يقود السيارة إنسان، ترك الأهل والمحبين في البيت، وغادره، وقد لا يعود لأن السرعة الفائقة بمثابة الذهاب إلى منصات الإعدام، ولا أعتقد أن ولي أمر يتمنى لابنه أن يقوم بهذه الإضافات الخطيرة إلى سيارته، ولكن كل شيء يتم في غفلة من الأهل، وأحياناً رغماً عنهم، والنتيجة أن الفجيعة تستولي على فرحة الوالدين بالشاب الذي زحفت الشعيرات الناعمة في محيط الشفتين، وبرزت مفاتن شبابه، واستيقظت حواسه، إنها الفرحة التي لا تغتالها غير السرعات الزائدة والحماقات التي تتم في الشوارع، ومهما نظمت من قوانين مرورية أو وضعت من إرشادات ونواه وأوامر، فإنها لن تجدي طالما الإصرار بقي سيد العلاقة بين شبابنا والشوارع.. الضابط الوحيد هو الوازع الأخلاقي والقيمي، الذي إن قوي وصلح استطاع أن يكون سداً منيعاً في وجه النوازع والرغبات الشيطانية.. نحن لا نريد أن نذبح أحداً، ولا نريد أن نلوم أحداً بقدر ما نطلب من شبابنا الرأفة بأنفسهم، واحترام مشاعر أهلهم الذين يذوبون عذاباً جراء إصابتهم بمكروه.. نقول لهم: من كان منكم يريد أن يستقل سيارة، وقبل أن يضع يده على المقود فليتذكر أمه وأبيه، يتذكر أن هذين اللذين يذوقان أمر العذاب، ويتحملان أسوأ المرارات فيما لو أصابه ما لا تحمد عقباه.. نقول لكل شاب تذكر دموع أمك وقلبها المفطور لأجلك، وعينيها الشاخصتين في انتظار وصولك، وعقلها المشغول دوماً تتحرى رجوعك إلى البيت سالماً معافى من أي شر.. تذكر كل من يحبك، وتذكر أن هذه الروح التي تحملها في بدنك ليست ملكاً لك، بل هي أمانة وعليك أن تفي بالوعد، وتوصل الأمانة إلى بر الأمان، وألا تكون سبباً في إزهاق هذه الروح، وألا تكون سبباً في إهلاك روح غيرك، الطريق يا سيدي الشاب متعة للذين يريدون أن يستمتعوا، والقيادة شيء من الفن، فارسم لوحتك الفنية بهدوء، ولا تخربش ولا تعبث حتى لا تشوه وجه العالم بنفس أمارة، ختارة، جبارة.
أتمنى أن يأتي يوم ولا نسمع فيه عن حادث أليم، ولا بشيطان رجيم أطاح بمشاعر شاب فاقتاده إلى الهلاك.. أتمنى ذلك وكل شيء ممكن لو أن شبابنا أحبوا الحياة وأعطوها حقها من الاحترام واستفادوا من الوقت في صناعة غدٍ مشرق، وتحقيق آمال وأمنيات الوطن الذي حقق لهم كل ما يريدون ويستحق منهم رد الجميل.


marafea@emi.ae