فورة اقتصادية، تبعتها فورة وجدانية، تغيرت من خلالها قيم وأخلاق وشمائل وحمائل، وسبل عيش ووسائل، وفي غضون هذه النقلة الحضارية والقفزة التي غيّرت معالم وأواصر، برزت ظواهر ما كانت معهودة ولا موجودة ولا لون لها ولا بصمة على جبين الناس· اليوم كل شيء تغير، وصرنا نقرأ بين الحين والآخر عن مفسد وفساد، والمؤسف جداً أن اليد الطولى والخفيفة لا تمتد إلا من أجساد الذين أتخموا وتورموا، لكنهم لم يشبعوا ولم يقتنعوا ولم يصدقوا أبداً أن القناعة كنز لا يفنى·· في بلادنا الخير وفير، والرزق كثير، عم الكبير والصغير لكن بعض الناس عيونهم ضيقة لا يشبعهم الشبع، ولا يملأ عيونهم مال قارون وهارون، ومعهما فرعون وهامان·· البعض يظل يغرف من المال الحرام، ويسف منه ولا يتوقف إلى أن يكتشف أمره، ويقع في يد القانون·· والقانون لا يرحم السفهاء، كما أنه لا يشفق على البلهاء·· فكل لص مهما بلغ من ذكاء ودهاء يبقى كائناً ضعيفاً سخيفاً ولابد أن يكبو، وكبوته تكون بحجم ما امتدت إليه يده، وبحجم ما اقترفه من سرقات بحق الآخرين· أحياناً يشعر الإنسان بالصدمة والحيرة والأسف عندما يقرأ خبراً مفاده أن مديراً أو رئيساً لشركة أو مسؤولاً كبيراً متهم بالسرقة، لماذا يسرق هؤلاء، هل بدافع إشباع بطون أبنائهم الجياع؟ هل لبناء منزل بديل لمنزل متهالك مضت عليه السنون·· هل لعلاج ابن أو ابنة من مرض عضال، يكلفه مبالغ باهظة؟· إن كان الأمر من أجل ذلك، فإن في القضية وجهة نظر·· أما أن يقف أمام التحقيق كائن بشري متخم متورم وقد أكل الأخضر واليابس، بحجة الاختلاس أو تلقي رشاوى·· فهذه معضلة كبرى وتحتاج من المسؤولين في البلد وأصحاب القرار إلى دراسة القضية دراسة وافية مستوفية ومستفيضة، لإعادة صياغة ثقافتنا، وتشذيب الشجرة الاجتماعية مما علق بها من شوائب وخرائب جعلتنا ندفع ضريبة كبرى، وأحياناً قاصمة·· نحن بحاجة إلى التدخل السريع ليس للقبض على اللصوص، وإنما لوضع منهج علمي مدروس يقوم بضبط وربط السلوك الاجتماعي من تغيير في التعاطي مع هذا المنجز الاقتصادي·· نحن بحاجة إلى توازٍ بين ثقافتنا الأصيلة والتي نشأ عليها المجتمع واقتصادنا الناهض، لابد من هذا التوالي وهذا التداوي بعشب القيم والشيم الراسخة في وجدان إنسان الإمارات والتي يرى فيها البعض أنها ''دقة قديمة''·· نحن بحاجة إلى رجة قوية، تعيد الإنسان إلى صحوته، وتسترجعه إلى يقظته، وتنمي فيه روح الانتماء إلى المكان وحبه وعشقه والتفاني من أجل الوطن وعدم خيانته ومباغتته لسرقات مذهلة يندى لها الجبين·· نحن بحاجة إلى قوات تدخل سريع ''علمية'' لفرز هذه الظاهرة، والبحث عن علاج يطهر المجتمع من براثنها وغازاتها السام