تهاجمني بين الحين والآخر الأفكار، وتحاصرني التساؤلات، وأسترجع شريطاً مزعجاً من الأحداث والمواقف التي أتمنى أن لا ينزعج البعض إذ ما وصفتها بالمواقف الهزيلة والهشة التي جعلتني أعيش في واقع غريب ومظلم، هائمة بين وضوح الفكرة وهلامية الواقع الذي أيقنه ويوقنه الكثير من الناس مثلي. وحينما أتأمل ما يدور حولي، أرى عالماً مختلفاً وغريباً عن الذي قرأت عنه كثيراً في المجلدات والكتب التي سطرت تاريخاً إسلامياً وعربياً عريقاً يحكي عن ماض لم أعشه، ولم أسمع به سوى من خلال الكتب والترجمات التي تحفظ في المتاحف، وتعرض بين حين وآخر في معارض دولنا الراقية التي تفتخر بها وتنوح على أطلالها... وعندما ألاحظ تلك الثقة العميقة والاعتزاز في الحديث عنها، وتناقلها بيننا أعرف أن سببها تاريخ حافل رسمه وسطَّره أسلافنا الذين خلقوا لأنفسهم درعاً حصيناً من القوة والكبرياء ورفض الذل والمهانة حفظاً على كرامتهم وكرامة عقيدتهم منذ الأزل، حينها أستيقظ على واقع مرير وغابة يحكمها أسود، ويتبعهم ذئاب ويخدمهم من لا يملكون أية رؤية، لحظتها أعرف من نحن في هذه الغابة، خصوصاً وأننا ننتظر مستقبلاً لا يستند إلا على وعود ووعود ووعود مِن من؟! من شخوص كنا نحن سادتهم على مر الأزمان، حتى أتى اليوم الذي عُقدت فيه ألسنتا وكممت فيه أفواهنا، وعرفنا أنا نحن من لعب بهم العالم لعبة «اليانصيب» منذ أن بدأنا ببيع أنفسنا وحقوقنا ظنا منا أننا سنكسب الكثير حتى تفاجئنا بأننا لا نملك حتى لأنفسنا خيرها وشرها.. هنا تتشوش الرؤية وتتلاشى رغبتي في الاحتفاظ بتلك الكتب التي تروي لنا قصصاً يعجز عقلنا تصديقها في واقع حرمنا منه؛ وافتخار واعتزاز يحز بالنفس أن لا نعيشه، حينها أعرف أننا بالفعل في حاجة الى مزيد من الجهد حتى نكون جديرين بالانتماء لمن أسسوا هذه الحضارة التي قدمت للعالم الكثير على مدى أكثر من ألف عام، تسيّد خلالها ابناء هذه المنطقة عندما كانت لهم خصوصيتهم التي اعتزوا بها، والتي ورثتها ونهلت منها حضارات وشعوب العالم أجمع. lMaary191@hotmail.com