قد تبدو الحياة جادة ضيقة، بسعة ثقب الإبرة، وقد تبدو شارعاً فسيحاً يتسع لناقلة عملاقة. المسألة تخضع للتصور الذهني، ولخيال يحيك قماشة الأشياء، كيفما يكون هذا الخيال. عندما تضيق ذرعاً لأمر ما، فإنك تجد من حولك شعاباً مملوءة بالأعشاب الشوكية، تعيق مرورك عبر طرق الحياة، فتصيح أنت المتذمر بعدمية هذه الحياة، وبضيق طرقها المتشعبة، والقابضة على زمام رؤيتك للأمور التي تطوقك مثل الأغلال. لذلك فإن هذه الحياة التي نعيشها ما هي إلا تصور لا أكثر، هي هكذا بنيت على الصورة، والصورة نحن الذين نخلقها، ونصوغ بنيانها، ونشكل خطوطها، ونرسم تضاريسها مثلما يفعل الفنان التشكيلي، عندما يهم برسم لوحة تخص العالم من حوله. فقد تكون الصورة قاتمة إلى حد السواد، وقد تكون ناصعة إلى درجة الازدهار. فلك أن تتصور ماذا يحدث في هذا العالم من تصورات، ومن أخاييل، قد تشيع حروباً دامية، وقد تنشر وروداً زاهية.
لا حقيقة في الحياة إلا أنت أيها الإنسان الذي نشرت الحب، كما نثرت الكراهية. أنت وحدك من يلون قماشة الحياة كيفما تكون أنت، وكيفما يكون انتماؤك في هذه الشوارع الدنيوية. لا تصدق من يقول إن الحياة عدمية، كما لا تصدق من يقول إن الحياة شارع مفتوح على الفرح. الأشياء تبدو لك كما تكون أنت، لا كما هي، لأنه ما من لوحة أبدية استمرت كما هي، ولم يلحقها التلف. فلطالما تغنى الناس بالحياة، كما أنهم طالما ألصقوا بها كل موبقات الوجود. ما الحل إذن؟ إنه هو أنت، أنت الحل، وأنت السؤال المفتوح على الوجود، وأنت المتغير، وليس الثابت، فكن في صلب الأسئلة، تستطيع أن تخرج من نفق الجمود، والترسب عند نقطة الصفر. الأصفار لا تتراكم إلا عندما نكون خارج إطار التغير، عندما نكون شبه أحفورة، يغزوها الغبار، وتصبح جزءاً من هذا الغبار، ويصبح الغبار هو الشذا الملوث جرّاء أنفاسك الممزوجة برذاذ أنفلونزا الكآبة، والاستسلام للأمر الواقع، والتحدث بلغة اللا أدري، فأنت في اللا أدرية، تنوء بكم هائل من الأغطية الرثة، وتكون جزءاً لا يتجزأ من واقع مرتهناً للرثاثة المسبقة، الآخرون يقولون لك هذا أبيض فاختر بياضك منه، وعندما تذهب إلى اختيار ما اختاره لك غيرك، تكون أنت كمن يذهب إلى بيته وهو معصوب العينين، وعندما يفكر في الدخول إلى غرفة نومه، يصطدم بعتبة الباب فيصرخ، لقد غدرت، فهذا ليس بيتي، فبيتي أعرفه أنه لا يوجد على بابه حارس يمنعني من الدخول. هذه هي الخدعة البصرية التي يقع فيها عقلك، وأنت تلج فناء الحياة، مدفوعاً بكلمة لا أدري، وكلمة أخرى، هم يعرفون. عندما تكون على حقيقتك، تكون في قلب الوعي، تكون أنت الذي يصنع قماشة جلبابه، وليس قماشة الغير، وبالتالي سوف تجد شوارع الحياة مفتوحة على آخرها، تقول هيت لك، فامض في طريقك ولا تخش التعثر بالعتبات.