الصائغ والرجل العجوز
قرأت في كتب ومقالات عديدة عن قصص الأغبياء الذين يقعون في شراك المحتالين والمخادعين، وفي كل مرة أكتشف مدى سذاجة وغباء هؤلاء الأشخاص، وأنبهر من ذكاء هؤلاء المكارين، وعفواً لأني أنعتهم بصفة الغباء لأن هذه الصفة يحمق منها الشخص إذا نعت بها، لكنْ، هناك مواقف وحكايات تجبرنا أحياناً على توصيفهم بهذه الصفة خصوصاً إذا قرأتم حكاية الصائغ الغبي الذي صدق الحيلة التي وقعت عليه. يحكى أنه في مرة من المرات دخل رجل عجوز بلحية بيضاء، ويلبس ملابس ناصعة البياض إلى محل صياغة الذهب في إحدى المدن، وطلب من صاحب المحل أن يصلح له خاتمه المكسور، وعليه طلب صاحب المحل من الزبون العجوز الجلوس ريثما ينتهي من إصلاح الخاتم، وبينما هو يصلح الخاتم دخل رجل آخر إلى المحل، وطلب من البائع أن يريه البضاعة التي لديه، فأجابه البائع أن ينتظر قليلاً ريثما ينتهي من الزبون الذي يجلس أمامه، فرد الرجل باستغراب عن أي زبون يتحدث، فلا يوجد أحد في المحل غيره. وخرج الزبون وهو متعجب من هذا التصرف، وبعدها بثوانٍ قليلة دخلت امرأة وزوجها المحل نفسه، وطلباً من البائع أن يعرض عليهما العقود والخواتم الموجودة لديه، وطلب منهما أن يمهلاه بضع دقائق حتى يسلم الزبون الجالس معه خاتمه، فأدارا أنظارهم في المحل وقالا إن لا أحد غيرها في المحل، وذهبا بسرعة بعد أن وصفاه بالمجنون، هنا أحس الصائغ بالفزع ونظر إلى الرجل الوقور وتساءل: ماذا يعني كل هذا؟ فرد الرجل: أنا ملك من عباد الله الصالحين ولا يراني إلا من حمل صفاتي، وأنت رجل أمين أحببت أن أكافئك على أعمالك الطيبة! هنا دخلت النشوة محل الفزع في قلب الصائغ، وكاد أن يحلق من فرط السعادة عندما أكد له الرجل العجوز أنَّه لا يراه أحد غيره.
وقال له الرجل العجوز إنه سيحقق له أي أمنية يتمناها، ولأن الصائغ كان يملك ما تشتهيه نفسه من عرض الدنيا، فقد رد على الرجل بقوله: لا أريد سوى الظفر بالجنة، فابتسم الرجل وقدم للصائغ منديلاً أبيض، وقال له: ضعه على أنفك واستنشق بقوة ففي المنديل عطر الجنة، ففعل الصائغ ذلك وأحس بالنشوة تسري في أوصاله في نعومة ولطف، حتى وقع مغشياً عليه ?وبعد دقائق استفاق و تلفت حوله فلم يجد الرجل، ولم يجد المجوهرات التي كانت معروضة داخل المحل، وأدرك بعد أن فات عليه الفوات أن عطر الجنة المزعوم كان مخدراً، وأن الزبائن الذين أتوه ثم أنكروا رؤية الزبون الجالس أمامه كانوا أعضاء في العصابة، وبالطبع لم تعثر الشرطة على الرجل لأنه لا يراه إلا الأغبياء.
من هنا نستشف أن للدهاء والذكاء عالماً وفلكاً واسعاً لا يقع فيه إلا أصحاب العقول الخفيفة التي تنظر إلى الأمور بمنظورها الساذج البسيط، وكما يقال «الفطين ما يحط رأسه في الطين».
Maary191@hotmail.cim