الذهاب بعيداً هو ذهاب مبجل نحو حكاية أخرى للوجود؛ حكاية ترفع قيمة الرؤية البعيدة إلى أفق الروح المفتوح على تكون التجارب الإنسانية المتمخضة حباً، والملأى بالشغف. الذهاب بعيداً هو المسير نحو ومضات المجهول التي تلوح من بعيد، بروح تـُجدد الفرح، ونفس عميق وطويل لا يتكسر في طريق تحقيق المراد. هناك في البعيد في المستقبل يكمن دائماً ما تتمناه ويخفق له القلب، تَنسجُ فيه الفكرة قيمة تشع، وتَكنس طحالب الزمن، الأيام القاسية، والوجوه التي توسمت فيها قيماً كبيرة؛ قيماً أبدى لك الوقت زيفها والحماقة في تقديرها، حماقة الاعتقاد برقيها وعلوها على الصغائر وعته التفكير، ذلك عندما انزاح القناع عنها في اللحظة الاستثنائية الفارقة، تلك اللحظة القادرة على عكس الرؤية وتحريك الساكن في الاعتقاد، لترى وتكتشف أنك كنت مخطئاً في التقدير. لذا تعلمك الأيام أن تمضي بعيداً عن هذه التفاهة وتحدق في وجه الجمال، وجه له نور خالص، نور يرتقي ويتمدد ويحتوي ويُنهضك من الانكسار ليقودك نحو الانتشاء المبجل، نحو الحلم وهو يسيج واقعاً جديداً؛ نور يتمادى في تشكله الآسر، يتغلغل في النفس ويملؤها حباً، يسترسل في التفكير، ويرسم ألواناً زاهية للحياة، حيث الحالمون وهم يرفعون من وتيرة الأمل وهم يعودون بالمغاير والمختلف، يرسلون الإيمان بالأجمل والرائع والنقي والشفاف، يعودون بقيم تستحق بها الحياة أن تعاش، أن يصير اليوم مبهراً مملوءاً بالشغف، بالاتفاق، وكذلك بالاختلاف الجميل؛ أن تكون وحيداً ولا تندم، أن تُـحدثَ نفسك بصوت مسموع من دون أن تُفزَع من وصمة الجنون، أن تغني ولا يسمعك إلا أنت، أن تتأمل الكون، الطبيعة، البحر، حركة الرياح والجلبة التي تحدثها، أن تراقب سقوط أوراق الأشجار اليابسة وفرحها وهي تتطاير في الهواء. عندما يتكدس السائد والعادي والمكرر نحتاج فعلاً إلى قفزة حركية عبر الجسد أو ذهنية عبر إعادة التفكير، حركة بالقفز إلى الأمام، إلى الذهاب بعيداً بلا خوف أو تردد، حيث تؤثث تجربة ورؤية جديدتين تسمحان باستعادة أوتار القلب وإيقاعه، بالانتشاء مع موسيقى تأتي من رقرقة النهر وموج البحر، من هدأة الريح ولهب النار، من رمل الصحارى، وهمس العشاق. فالذهاب بعيداً،، هو ذهاب إلى أنت.