حمل زهرة وفراشة صفراء من ورق، ثم ردد أغنية الوداع واستمع إلى الموسيقى الحزينة، وقدمها هدية لوداع مبدع كبير تذكر البحر الكاريبي وساحل كولومبيا، وأحفظ هذا النجم المرتحل الذي أنار الدنيا بإبداعه الجميل وأخرج مجتمعات كثيرة من مئة عام من العزلة، وبدد قوة وقبضة ذلك الجنرال الذي لم يبرح عزلته ومتاهته!! أيضاً تذكر تلك الفراشات الصفراء التي تحوم حولك أو حول صديق أو أحد الشخصيات الجميلة مع وصول حبيب لها، ودع هذا الراحل غابرييل غارسيا ماركيز، بعد أن قدم أهم الأعمال الأدبية والذي طاف اسمه وأعماله الإبداعية كل الدنيا وقرأتها كل الشعوب من مشرق الدنيا إلى مغربها وترجمها إلى كل اللغات، لم يكن ثروة أدبية لأميركا اللاتينية وإنما لسائر البلدان. امتد العمر طويلاً حتى قال وكتب أجمل ما يجب أن يُقرأ، كان قلماً رائعاً يحمل فكراً نيراً لذلك كان يجب أن يطوف إبداعه الدنيا، لأنه لم يكن يوماً صديقاً لذلك الجنرال في متاهته ولا كاتباً لأدب السلطات ولا باحثاً عن تكريم واحتفاليات خاصة، استمر طريقه الإبداعي بروعة وبقوة المحب لشعبه وناسه ولجمالية الأدب والثقافة وحدها، حتى جاءت جائزة نوبل لتتشرف بأدبه وأعماله وإنتاجه الروائي الذي قرأته كل شعوب الأرض. ليس غريباً أن يجتمع مئات الناس في مسقط رأس ماركيز ليودعوا مبدعهم وابن قريتهم بالورود والشموع وأن يعزفوا الموسيقى في رحيله الأبدي، إنه أجمل شخص وأعظم مبدع تنجبه قريته ولا يوازي أهميته أي شخص آخر، نعم إنه ماركيز أشهر أديب طافت الدنيا إبداعاته الكثيرة والمتنوعة وعندما ترحل شخصية بهذه القامة الكبيرة فإن حدثاً مهماً بالتأكيد قد حصل حتى وإن كان قد أتعبه المرض وتوقف عن الاستمرار في الكتابة والإبداع، إن أكثر من ثمانين عاماً من التألق والعطاء والإبداع كافية ويزيد على ما تركه هذا المبدع الكبير بعد رحيله، أجيال كثيرة استفادت من فكره وإبداعه وأيضاً سيظل عمله ثمراً منيراً يهدي الدروب للأدب الملتزم الجميل وسوف يظل مثالاً لذلك المثقف والمبدع العالمي الذي يطوف فكره وإنتاجه العالم، وسوف تستفيد من إبداعه أجيال قادمة، إنه ثروة البشرية، وإبداعها يظهر أين ما يبعث الله المواهب في صدور ابن آدم، ليس مخصصة لمكان أو زمان ولكنها تأتي مثل ديمة ومطر ليغسل الصدور وينير الدروب. إن تجارب الشعوب وظروفها المختلفة والصعبة، كثيراً ما تظهر عند بعض أبناء تلك الشعوب على شكل إبداع متجاوز لتلك الظروف والصعاب، جاءت تلك في شعوب كثيرة على مر التاريخ وفي الأزمنة الماضية القريبة، ظهر في أميركا اللاتينية الكثير من الأقلام والكتاب والروائيين والشعراء الذين أبدعوا ونهضوا بشعوبهم، لنتذكر مثلاً بابلو نيرودا وبورخيس وجفارا وماركيز ومبدعين كثيرين في مجالات أدبية وفنية وموسيقية وكفاحية أثرت وأنارت الدروب في تلك الجهة والمنطقة من العالم، ثم طافت إبداعاتهم وأفكارهم ونضالاتهم سائر البلدان والشعوب، إن إشعال منارة في مكان ما وإضاءة المحيط بها لابد أن الآخرين يقتدوا بالضوء وأن ينيروا أيضاً منارات جديدة في مكان آخر أو طرف آخر من هذه الغابة أو البحار والمحيطات والبلدان. الضوء دائماً يسري إلى مسافات بعيدة ليعانق ضوءاً آخر، هذا ما فعله إبداع وفكر وأدب ماركيز ورفاقه من قارة أميركا اللاتينية، فقد سرى الأدب الجميل والطريقة الإبداعية في فن الكتابة إلى أدباء في مناطق أخرى من العالم ليزداد كتاب ومؤلفي الأعمال الإبداعية الجميلة والملتزمة بقضايا الناس والوطن، تماماً كما سرى شعر بابلو نيرودا وبورخيس لنشاهد ونقرأ مئات القصائد والإبداعات الأدبية المستمدة من تلك الطريقة والأساليب الحديثة سواء هذا عند الشباب العربي أو شباب سائر الشعوب الأخرى. نعم ماركيز يرحل ويستحق في رحيله ملايين الفراشات الصفراء وباقات كثيرة من الزهور والموسيقى كما فعلت قريته. Ibrahim_Mubarak@hotmail.com