أجمعت كتب التاريخ على أن انجلترا هي مهد لعبة كرة القدم وأن الصينيين واليابانيين عرفوها منذ قرون طويلة جداً وأن المصريين القدماء لعبوها منذ القدم وكذلك العرب، إلا أن الكرة بشكلها الحالي كانت من اختراع الإنجليز ومنهم انتقلت لباقي أرجاء العالم فيما بعد، وكان فريق شيفيلد أول الأندية التي تأسست عام 1857 وأول فريق يلعب في الدوري الانجليزي فيما بعد هو نوتس كاونتي عام 1862 وقد أسس الإنجليز اتحاد الكرة لأول مرة عام 1863، ويعد الدوري الانجليزي أقدم مسابقة رسمية لكرة القدم، حيث انطلق في 22 آذار عام 1888، فيما بعد صدرت بريطانيا اللعبة إلى العالم فانتقلت إلى أوروبا أولاً ثم إلى المستعمرات مع جنود الاحتلال في أفريقيا وآسيا واستراليا وحتى إلى أميركا الجنوبية.
في البرازيل عرف شعبها الكرة على يد مواطن انجليزي يدعى تشارلز، لتنتشر اللعبة بين فقراء أميركا اللاتينية ولتتحول الى هوس أطفالها الذين تعلقوا بها وعشقوها وبرعوا فيها، ومن أحياء الفقر اللاتينية تلك في الأرجنتين والبرازيل والمكسيك خرج نجوم وأساطير ادهشوا العالم وملأوا الدنيا وأبهروا الناس، لكن اللعبة التي جاءت من بريطانيا غريبة مجهولة صارت لها أندية واتحادات وبطولات ونجوم تباع وتشترى بملايين الدولارات، ففي المباراة الواحدة من الدوري الايطالي او الإسباني أو البرتغالي تتحرك على أرضية الملعب أقدام لاعبين تقدر قيمتها بما يزيد على ميزانيات دول بأكملها، لقد صارت كرة القدم رياضة العالم الأولى المفضلة والمعشوقة والمدللة.
وخرجت كرة القدم من بين الأقدام المغبرة للاعبين الصغار في حواري المدن الفقيرة، في بيونس ايرس وغيرها من مدن العالم، لتستقر على طاولة بارونات المال ومافيات الرياضة العالمية، خاصة بعد ان قام الفرنسي جول ريميه وهو نجم النجوم في رياضة كرة القدم بتأسيس ما صار يعرف بكأس العالم الفكرة التي أبصرت النور بإقامة أول بطولة عام 1930 في الاوروجواي التي أحرزت اللقب في العام نفسه. كرة القدم رياضة الفقراء، حتى وان كانوا هم مشجعيها والمهووسين بها والمتفانين حبا في نجومها، الفقراء يلعبونها في الأزقة والحواري فقط، يعشقونها صغاراً ولا يرضون بديلاً عنها في كل مدن الدنيا، مع ذلك فحين صار لها عرس ومونديال احتكرت لصالح من يستطيع ان يدفع بطاقة المونديال لأن القنوات صارت مشفرة !
صارت لعبة الفقراء بعد التدفق الإعلامي الحر وثورة تكنولوجيا الاتصال وانفجار الفضائيات تجارة تدر الملايين بل المليارات على الفيفا ووكالات الاعلانات واصحاب الأندية الرياضية العملاقة وقنوات التلفزيون، لقد تم تشفير القنوات التي تنقل كأس العالم، وحرم الفقراء من متعة متابعة رياضتهم الحبيبة الا لمن استطاع فك شفرة قنوات الجزيرة وغير الجزيرة للأسف.
لا تعجبني بدعة التشفير هذه، فكرة القدم ليست رياضة جولف ولا سكواتش ولا بولو ، إنها كرة قدم، من حق العالم كله ان يشاهدها، ومما زاد الطين بلة هذا التشويش الذي يقال إنه متعمد على قنوات بث مباريات المونديال، وكأن الفقراء لا يكفيهم التشفير فزادهم التشويش هماً على هم.
ayya-222@hotmail.com