الاحتكار بات رفيقاً أساسياً لانطلاق بطولة كأس العالم لكرة القدم، فحقوق البث الحصرية تعني حرمان شريحة واسعة من عشاق المستديرة من غير المقتدرين، الذين يخضعون لجشع بعض المقاهي لمتابعة الدقائق التسعين، بأسعار تستغل شغفهم الرياضي. محلياً، تنبهت وزارة الاقتصاد إلى تلك الممارسات، وبدأت حملة واسعة لضبط السوق، فالرسوم الجديدة المعلنة وغير المعلنة على متابعة المباريات في بعض المقاهي مخالفة للقانون، وتعد اعتداء صارخاً على حقوق المستهلك. ولكن ما باليد حيلة، متابعو المونديال مضطرون لتحمل تكاليف باهظة لمشاهدة المباريات على مدار 30 يوماً، والمقاهي تسعى إلى تعويض سعر بطاقة البث للقطاع التجاري التي تصل إلى 7560 درهماً، إضافة إلى تكاليف شاشات العرض، ويبقى الخاسر الأكبر في هذه المعادلة هو المستهلك. الخلل يكمن في الحلقة الأولى، فالرياضة تحولت إلى سلعة، الاتحاد الدولي يبيع حقوق البث، والمشتري يتطلع إلى إعادة بيع الخدمة للجمهور، حتى لو كانت منقوصة الجودة. الاحتكار مرفوض بنظر الرأسمالية الصرفة، وممارسته منبوذة، والدلائل جلية على ذلك، لا سيما في قطاعات استراتيجية مثل التكنولوجيا والمعارف، فكيف إذا بالرياضة المفترض أن تكون للجميع؟ وحتى لو تراجعت المقاهي عن فرض الرسوم، فإن متابعة المباريات فيها ستبقى مكلفة، كما هو الحال عند شراء بطاقات البث المنزلي. الأمر يتطلب حراكاً دولياً، سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، يعيد المياه إلى مجاريها، ويفرض على الاتحاد الدولي، كما هو الحال على الشركات، فتح قنوات كأس العالم للجميع. لا شك أن الشأن الرياضي في العقدين الأخيرين دخل دائرة “البزنس”، أصبح منجماً للثروات، ومفتاحاً للعالمية، ومقياساً لتطور الشعوب، مردوده الاقتصادي مجدٍ، وإعلامياً بات يطغى على أهم الأحداث العالمية. بيد أن ذلك لا يبرر أن تصبح اللعبة بحد ذاتها نخبوية، ومتابعتها تحتاج ميزانية. بالمناسبة، قد تكون هذه البطولة لغالبية المقاهي مباراة الاعتزال، فبعد عام ونصف العام، وبحسب قانون اتحادي، لا يسمح بتقديم التبغ ومنتجاته داخل البنايات أو الأحياء السكنية أو بجوارهما، ما يعني إغلاق معظم المقاهي أو تصويب أوضاعها بنقلها خارج المناطق المأهولة. لا نلقي باللائمة على المقاهي فحسب، فهي آخر حلقة من حلقات الاحتكار، الذي أفسد متعة اللعبة وانتزع شعبيتها، وجعلها بنظر الكثيرين حكراً على النخب. baha.haroun@admedia.ae