يبحث الفن التشكيلي عن حقيقة الحرية، وهي من الأشياء الخارجة عن إرادة الشخص، ومرتبطة بالجانب الروحي، فتجد الفنان يلمس الجوانب المادية في الوسط المحيط، يجمع القطع، يربطها مع بعض، يفرقها تارة أخرى، من أجل استثارة الحواس المجهولة داخل الجسد الأثيري، فيدرك هل هو حر يتصرف من وحي عقله وإرادته الخاصة، أم أنه يتصرف مدفوعاً بقوى خارجية. لم تغب الحرية عن الفلاسفة اليونان الذين ينقسمون في تفسيرها إلى ثلاثة اتجاهات، الاتجاه الأول: جعلت الإنسان خاضعاً لقوى خارجية تسيره كيف تشاء حتى أنه لا يمتلك الاعتراض، وضم هذا الاتجاه الطبيعيين الأوائل وسقراط والرواقيين. بينما الاتجاه الثاني: فسرت الحرية على أنها تخضع لقوى خارجية وإرادة ذاتية جنباً إلى جنب، وهؤلاء هم: أفلاطون وكريسيبوس الرواقي، وأفلوطين. والاتجاه الثالث: مؤيدون للحرية الذاتية الخالصة، وهم السفسطائيون وأرسطو والأبيقوريون. يقول تسللر- وهو من السفسطائيين إلى أن الضمير ليس كافياً بمفرده ولا نافعاً حقاً ما لم يكن مستحسناً بواسطة اقتناع الإنسان الذاتي، ومشبعاً لمصلحته الفردية. لقد فقد الإنسان احترامه للشيء الحقيقي بوصفه كذلك، ولم يعد يقبل شيئاً على أنه حق وهو عاجز عن التأكد منه، ولن يشغل نفسه بشيء لا يستطيع أن يستبين المنفعة الشخصية العائدة عليه منه. اختلفت التفسيرات لحقيقة الحرية، ولكن الفن جمعها ضمن لحظات يعيشها الفنان مع ذاته، هذه اللحظات تجعل الحرية حاضرة بكل عناصرها وتأثيرها النفسي على الفن والفنان، فإن كانت ضمن تصرف خارج إرادة الإنسان، أي ضمن قوى خارجية، فالفن ينظر إليها على أنها مخلوق أوجده الخالق من أجل المتعة الدنيوية، فنحن قادرون على أن نجعل هذا المخلوق المتمثل في الحرية أن يكون كائناً مطيعاً لسيدة، وأن نجعل منه حيواناً مفترساً يفتك بأجسادنا من الداخل، لا يمكن للحرية أن تتحول إلى حيوان، إلا إذا نحن علمناها الانهماك في الملذات، وقد علم أنطيفون السفسطائي، تلاميذه أنه لا شيء أعظم تهديداً للحرية من الكآبة والأمراض النفسية التي يسببها انهماك الإنسان في الملذات. وصرح بأن أعظم متعة من الممكن أن يحوزها الإنسان هي متعة الهدوء النفسي. عبر الفن نتمكن من التحدث بصوت الحرية، فهو يعلمنا أن الأخلاق تمد لنا جسراً طويلاً من السعادة، فلا يمكن للدادائية أن تكون فناً أو حتى غيرها من المدارس التي تدعوا للرذيلة والهبوط لقاع الملذات، إن الفن أرقى وأعمق من كونه حيواناً منطلقاً نحو المجهول، الفن متعة فكرية وروحية يستمتع بها الفنان والمشاهد، ونتمكن من خلالها لولوج أعلى مراتب الحرية، فالحرية ليس عبارة عن قدرة على التنقل، أو التحرك، أو امتلاكها كنوزاً، الحرية هي الشعور بالرضى والسعادة الداخلية، ومتعه الشعور بالاستقرار الذهني والجسدي. نحن دائماً نحلم بالحرية، وننسى بأن الفن علمنا كيف نتعاطى الحرية عبر ترجمة فكر الفنان، هذا المخلوق الذي جند المادة من أجل التعبير عن أهمية التلذذ بالطاعة للخالق. science_97@yahoo.com