تغيب 20 في المئة من موظفي الدوائر عن العمل لمدة ساعة يكلف مليار درهم·· هذه دراسة أعدتها شرطة دبي خلال ورشة ''تميزنا في التزامنا''·· فيا ترى كم من المليارات تهدر؟ وكم من الأموال الطائلة التي تخسرها الدولة على مدى الأيام والأسابيع والأشهر والسنوات؟ ·· لأن لدينا والحمد لله من الموظفين الذين لا يعرفون شيئاً اسمه التزام ولا يؤمنون بقيمة العمل ولا تحاسبهم ضمائرهم عندما يغالطون أنفسهم ويخادعون رؤساءهم في العمل ويتغيبون لأيام وأسابيع تحت حزم من الذرائع والحجج والأوهام والإبهام والإدغام ويختلقون الحيل الجهنمية التي لا تدع أي مجال للشك في حيلهم مما يوسع دائرة التهرب من العمل والتسيب الوظيفي· في البلدان التي شعوبها تقدس العمل وتحترم الوظيفة كاليابان مثلاً نظمت تظاهرات عارمة احتجاجاً على قانون الإجازات وإجبار الموظف على أخذ الإجازة قسراً بينما ما يجري في بلداننا هو العكس فلو أن بإمكان الموظفين عقد التظاهرات لتحديد أيام الإجازات لفعلوا وما استحوا وطالبوا بالمزيد من ثريد الإجازات ليسترخوا ويجلسوا في البيوت مستريحين من هم الاستيقاظ صباحاً، والذهاب إلى مكان العمل باكراً· الموظف في بلداننا لا يسأل إلا عن نهاية الشهر ولا يبحث إلا عن الوسائل التي ترفع من قيمة الراتب والزيادات التي يجود بها المسؤول عن دائرته·· الموظف في بلداننا يريد أن ينام نهاراً حتى ساعات متأخرة ويصحو في المساء ليقوم بجولاته وصولاته الليلية في المقاهي والمولات أو الجلوس أمام التلفاز مع أم العيال تحت صليل قرقعة أكواب الشاي وقعقعة المكسرات المسلية والملهية واللاغية للهم والغم والسقم· الموظف في بلادنا يعتبر المسؤول الذي يراقب ويحاسب ويواظب على رصد دورة العمل ودوام الموظفين أنه إنسان وغد وجاهم قاطع اللذات ومانع المسرات·· الموظف في بلداننا يحلم بمدير مسالم مداهن ساكن يوقع على الإجازات المرضية الوهمية وهو مغمض العينين مبتسم الشفتين منشرح القلب والجبين ولا يقول لموظفه المحتال عافاك الله وشفاك وجعلك ذخراً وفخراً للوطن والأمة ·· الموظف في بلداننا عندما يتغير مدير إدارته لا يسأل عن المستوى التعليمي للمدير وثقافته أو خبرته بل كل ما يشغل باله هو إن كان المدير متسامحاً ليناً مرناً لا يشتد ولا يعتد ولا يرتعد عندما يرى بأم عينيه المخالفات الإدارية من قبل موظفيه· الموظف في بلادنا يعيش ليومه ويفكر في لحظته ولا علاقة له بالمستقبل لا من قريب أو بعيد· الموظف في بلداننا يهيم شوقاً وحباً بالإجازات الرسمية ويحسبها بالمليمتر والسنتيمتر والدقائق والثواني ويرصد ويرقب بالآلات الحاسبة، الأيام التي تأتي له بساعات الراحة والاسترخاء والاستلقاء بعيداً عن مكاتب التعب والإرهاق· الموظف في بلداننا في دوامه اليومي يطالع الساعة بقلق وأرق وكأنه يريد أن يفر من أسوار معتقل· الموظف في بلداننا علاقته بالوظيفة كعلاقة المرأة المكرهة على الزواج من رجل لا تحبه ·· ولهذه الأسباب فإن البلدان مهما وضعت من نظم فإنها تظل ترزح تحت ربقة التخلف وأمراض الذين لا يريدون الشفاء من علل الأنانية·