تتعزز لديّ مع كل واقعة من القطاع الصحي والطبي القناعة بأن تجربة الضمان الصحي في أبوظبي جلبت معها العديد من الممارسات السلبية التي تحاول التصدي لها بقوة دائرة الصحة ومنشآت «صحة»، وكذلك تعمل جاهدة «ضمان»، ولكن القضية تتعلق في المقام الأول بغياب ضمائر فئة من الأطباء في بعض المنشآت الصحية الخاصة.
مع تجربة التأمين الصحي، ظهرت ممارسات غريبة لا تمت للطب بصلة، وإنما تجارية بحتة في مقدمتها، سقف الإنتاج المحدد للطبيب، وعدد من يكشف عليهم ويحيلهم لفحوص، ووصف أدوية وعقاقير قد لا يحتاجون إليها أيضاً، وإنما للوصول للسقف المحدد الذي بات عرفاً وممارسة سيئة في القطاع الخاص.
من جانب آخر، حملت التجربة رد الاعتبار للمستشفيات والعيادات الحكومية التي أثبتت أنها تتمتع باحترافية عالية والتزام بالمعايير والممارسات الأخلاقية التي هي ليست مجرد جزء أساسي من مهنة الطب، وإنما مفتاحه وعنوانه الأول.
قبل أيام، حدثني أحد الإخوة المواطنين عن عدم تورع طبيب في أحد المراكز الطبية الخاصة عن وصف عقار قاتل للألم «بينكيلر»، كما يقولون من أول تشخيص. وعندما غادر المركز وتوجه للصيدلية صادف هناك صيدلانية أمينة متمكنة من عملها، ما أن رأت الوصفة حتى أصيبت بالفزع، فالعقار شديد القوة والمفعول وقد يتسبب للرجل المتقدم في العمر بعوارض جانبية للكلى والكبد. فنصحته باستبداله بعقار يتناسب مع حالته.
بعد شهر من الأمر، كان الرجل في مراجعة دورية لطبيبه المعالج في مدينة ميونيخ الألمانية، وعرض عليه الوصفة فجفل بدوره، واستغرب الأمر برمته، حيث إن ذلك العقار لا يوصف عندهم إلا للمصابين في الحوادث، وعقب العمليات الجراحية الكبيرة.
بعض أطباء «طب التجارة» يعتقد أنه بمثل هذه الوصفات الباهظة سيكتسب سمعة بين مرضاه بتخليصهم من آلامهم من أول زيارة، وتحقيق معدلاته المطلوبة في آنٍ واحد، ودون أن يفكروا في تبعات الأمر.
هذه الواقعة تدعو الجميع للتحلي بقدر من الوعي الدوائي، وسؤال الطبيب والصيدلي عن الآثار الجانبية للأدوية الموصوفة. والأفضل من ذلك كله مراجعة العيادات الحكومية، وإن كانت مواعيدها بعيدة فعلى الأقل يكون في مأمن من ممارسات تلك النوعية من الأطباء التجاريين المهتمين بـ«البونص» والعمولات للأسف.
وندعو دائرة الصحة وبالتعاون مع شركات التأمين الصحي لتوعية الجمهور بالأمر، وتخصيص خط ساخن لكشف الدخلاء على الطب.