عند أحد المجمعات التجارية الكبرى في أبوظبي، شاهدت شابا في شرخ الشباب، كامل الصحة والعافية يخرج من سيارته الفارهة بعد أن أوقفها في المكان المخصص لذوي الاحتياجات الخاصة، سألته ممازحا إن كان لديه تصريح بالوقوف في هذا المكان، ومذكرا إياه بالغرامة التي قد تترتب عليه· فأجاب إنه مستعجل وسيأخذ غرضا من محل قريب ويغادر بسرعة· فقلت لأختبر ردة فعله ألا يغضب مني إذا تأخر، وأبلغت عنه الشرطة!!· فإذا به يغضب ويستغرب تصرفي أن أبلغت عنه· هدأت ثائرته عندما عرف أنني أمزح معه· وتركته الى مقصدي مستغربا من امثاله الذين يخالفون اللوائح ومع ذلك لا يريدون أن يحاسبهم القانون اذا ما ضبطوا وهم يخالفونه· بل إن الشاب قال بلهجة واثقة ''المرور ما يفتشون ''البركنات الارضية''!!· أمثال هذا الشاب كثر، ممن يرون أن القانون غافل عنهم او عينه لا ترصدهم وبالتالي يمكنهم خرقه متى ما يريدون· وتجد أمثاله يستعطفون شرطي الدورية الى درجة الرجاء، وقد كان بإمكانه توفير هذا الموقف على نفسه، باتباع اللوائح والانظمة والسير بعض خطوات الى المواقف العادية المنتشرة في المكان· ومثل هذه المشاهد لا تحصى ولعل اخطرها ما يجري عند تجاوز الاشارة المرورية الحمراء· استهتار البعض بلغ صورة وبائية، معتبرا الامر عاديا، طالما أن الطريق خال، و''الكاميرا لا تعمل'' في صورة من أسوأ صور الاستهتار بأرواح الآخرين· ذات مرة روى أستاذ جامعي عربي يعمل في احد الدول الاسكندنافية، كيف قطع الاشارة المرورية الحمراء بعد أن رأى أن الشارع خال في هزيع الليل ، بينما كان عائدا من سهرة والى جواره زميله النرويجي· وقال إنه فوجىء صباح اليوم التالي بزميله يهاتفه ويبلغه بأنه اتصل بشرطة المرور ليبلغهم بقطعه للاشارة· صاحبنا اعتبره خيانة بينما الآخر رآه واجبا· وقال له ''إنه فعل ذلك ليحميه ويحمي الآخرين من طيشه''!!· وبالطبع كل منهما يعبر عن سلوك اعتاد عليه في مجتمعه، وطريقة التعاون مع القانون، الطرف الاول يجيز ويبرر الخرق طالما أن القانون غائب، والثاني يرى أن القانون لا ينام لأن كل فرد في المجتمع يقظ وساهر على احترامه وتنفيذه في كل الاوقات· إنها مسألة تعود وانضباط· بل تجد لدينا من يعتقد بوجود '' واسطة'' يمكن بها استخراج تصريح وقوف في الاماكن المخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة، بزعم وجود ازمة في المواقف سواء عند البنايات والابراج السكنية او الدوائر الرسمية والمراكز التجارية· والمسألة رهن إعادة تشكيل ثقافة مجتمع، وتستهل من البيت والمدرسة حيث تبدأ عيون الصغار في التعرف على اول خيوط العلاقة بين الافراد والمجتمعات· وحيث يسمع لأول مرة بتلوين الكذب بين اسود وابيض ورمادي· وحيث يرى أن المثل والقدوة المفترضة لا تمانع أن تتغاضى عن فعل معين لأن من يمثل القانون غائب، وبالتالي يجوز ل''الأبلة'' او المدرس الحصول على غفوة لأن السهرة كانت طويلة· وقس على ذلك أموراً عدة· لا نتحدث هنا عن المدينة الفاضلة، ولكن عن حدود من الالتزام وصور منها، تجعل كل فرد منا صغيرا أم كبيرا يكرس نفسه لأجل القانون الذي وجد اصلا مـــن اجلـــه، وإدراك أن أي تجاوز لـــه مهما كـــان بســيــطا يفتح الابواب أمام فوضى يدفع ثمنها المجتمع وافراده·