يصعب على العالم أن ينسى هذه العجوز التي ظلت 70 عاماً هي مدة خدمتها في البيت الأبيض كمراسلة وصحفية مشاغبة على الدوام، وصعب ألا يتذكرها معاصروها من سياسيين وإعلاميين وسفراء من كافة دول العالم والذين تساقطوا واحداً واحداً مثلما خطفت على حياة 10 رؤساء لأميركا من أيام كنيدي حتى آخرهم أوباما، لقد بقيت صامدة في وجه الزمن، ومتحملة متاعب المهنة، لا أحد يمكنه ألا يتعرف إلى وجه “هيلين توماس” فلطالما كانت نجمة الجلسات الصحفية، محتلة مقعداً معروفاً في الصف الأمامي في مؤتمرات رؤساء أميركا المتعاقبين، غير أنها حرمت من هذا المقعد في عهد الرئيس بوش الابن الذي كانت تجاهر بأنه:” أسوأ رئيس أميركي على الإطلاق” بعكس جون كنيدي الذي كانت تبكيه وهي تنقل خبر وفاته من هاتف في البيت الأبيض، غير أن بوش أعادها إلى نفس المقعد الأمامي والمفضل عندها اتقاء لسانها السليط، ومحاولة استمالتها وكسب ودها، لكن أول سؤال طرحته عليه بعد أن تربعت على مقعدها: ما هو تبريرك المنطقي للحرب على العراق؟
مرت على العجوز هيلين أحداث داخلية عصيبة، وعالمية كثيرة، حروب باردة وأخرى ساخنة، حتى أن الرؤساء الأميركيين يعتبرونها تميمة حظ، ويمازحونها ويستلطفونها، لقد أصبحت جزءاً من أثاث البيت الأبيض الذي يتغير، وهي لا تتغير.
ضجرت العجوز وقالت شيئاً حسناً في نهاية عمرها المهني، طالما كانت تحض زملاءها الصحفيين أن يقولوا كلاماً منصفاً في حق الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي وأن يفيقوا من غيبوبتهم الإعلامية الكاذبة، لكن تصريحها الأخير في البيت الأبيض حيث كانت حفلة تخص التراث اليهودي دوّت له جدران البيت الرئاسي، فقد صرخت:” ليخرج اليهود من أراضي فلسطين، وليعودوا من حيث أتوا، هذه أرض محتلة تعود للفلسطينيين وليست أرض الألمان أو البولنديين، يجب عليهم العودة الى ديارهم في بولندا وألمانيا وأميركا وأي مكان آخر”.
اعتبرت الأوساط الإسرائيلية واليهودية وآلة اللوبي الصهيوني الإعلامية ومناصروهم من الأميركيين كلام “هيلين” الأخير كلاماً معادياً للسامية، وأن العجوز بدأت في مرحلة الخرف العمري، لذا قررت مؤسسة “هيرست كورب” قبول استقالتها على الفور بعد أن بلغت من العمر 90 عاماً إلا شهرين كمراسلة من البيت الأبيض وكاتبة مقالات، والرئيس السابق لرابطة مراسلي البيت الأبيض، رغم اعتذارها على موقعها الإلكتروني معتبرة تصريحها بمثابة صرخة لقضية ظلت طويلاً بلا حل، “هيلين توماس” تنحدر من أصول لبنانية لأبوين مهاجرين من طرابلس، ولدت في كنتاكي في 4 أغسطس عام 1920م.. أتمنى لها مقعداً في الصف الأمامي في شيخوختها الجميلة والغنية والتي كانت شاهدة على أحداث العالم من بيت الآلهة!

amood8@yahoo.com