''الحرية البيضاء بكل يد ناصعة تلمس'' حرية الإنسان من مهده ومن عقده ومن، ومن ويلات زمانه، حريته من قبضة الأنانية وتورم الذات واختناقات القيم البائسة ولولا أن الإنسان لم يعش ضيامن الدهر، يئن تحت وطأة الاحتلام والاحتلام الكاذب، لولا أن الإنسان لم يعش الخديعة وظل وديعة للافتراء والهراء والعواء والخواء الفكري، لولا أنه لم يختزل المشعوذون من عمره وفكره وكده وكدحه، لما تفجرت الأرض من تحت قدميه ومادت وطارت وصارت أشبه بالجحيم الأليم الأثيم·· لولا أن الإنسان لم تسرقه الاحتمالات المبتورة والأماني المكسورة والآمال المدحورة وانشقاق النفس المكدورة لما شاخت الأوطان ولما لعبت الأوثان بالإنسان ولما تحولت الدول إلى دويلات وطوائف وفرق وملل ونحل وأشياء أشبه بأعشاش الدبابير·· استطاعت بعض الفئات والشرائح الاجتماعية والسياسية أن تخوض معاركها الطاحنة تحت جنح الحريات المزعومة فأبادت أولويات الحرية وهي احترام الإنسان للإنسان وتقدير الإنسان لفكر الإنسان حتى أصبحت الحرية مجرد مشهد من مشاهد الحدائق الحيوانية المفتوحة والتي فيها ينقض القوي على الضعيف وينال المفترس من الوديع ويقضي الشرس على من لا حول له ولا قوة· حرية هذا الزمان مقلوبة الهرم، صار الهامشيون طغاة وسعاة شر ورذيلة يطيحون بالفضيلة كوسيلة وحيلة لتدبير المآرب المدفونة وتنفيذ المخازي الملعونة وكأنهم يريدون أن يقولوا إن الحرية لا تنفع شعوباً مأزومة ولا تشفع لشعوب عجنت من الظلم خبزاً ورغيف حياة· المنشقون عن حبل الله وخيط السواء يمارسون الغي نهجاً وطريقاً وتطور المجتمعات يعتبرونه خروجاً عن الطاعة، ورقي الإنسان يعتبرونه فجوراً وكل من يسلك طريق الخير له الويل والثبور· في زمن حرية اللاحرية، اختلطت الألوان وتزاحمت الأشجان وبنى العازفون على لحن ''الحرية الحمراء'' صروحاً من كثبان متحركة يتيهون في عراها ويهيمون في صحرائها ويشوهون الجمال الإنساني بتهريمات وتهويلات وتأويلات وتفسيرات ما أنزل الله بها من سلطان· المهرولون للحرية الشوهاء يريدون أن تصبح الأوطان جزراً تتقاتل فيها الوحوش وتفتك الأنياب بالألباب وتأخذ الأسباب الواهية بالأسباب ولا يهمهم إن كان الذي ستؤول إليه الأوطان شراً مستطيراً ودماراً مثيراً للجزع والفزع·· هؤلاء هم أعداء الإنسان وأعداء العقائد الإنسانية السمحاء وأعداء الأمن والأمان·· هؤلاء هم الذين باتوا وبالاً ووهناً عضالاً تعاني منه المجتمعات وتواجه ظلامه وحلكة زمانه·· هؤلاء هم الذين وأدوا حرية الإنسان بخرافات وبدع لا تمت بصلة للأديان، هؤلاء هم الذين سيجوا الفكرة بضمائر مدبرة غابرة هاجرة مغادرة إلى حيث يقطن الخراب والسراب· أسراب جراد تملصت من الحقيقة لتهرب إلى مكان الفوضى والانهيارات الخلقية وموت الذمة وانحلال المشاعر·· هؤلاء هم الشذذ وذوو عقد النقص والفاشلون والغائصون في عتمة الليل البهيم·· السابحون في فضاء مفعم بالسموم والغيوم والهموم والسقوم، هؤلاء هم خوارج هذا الزمان·