التعلق فكرة بشرية خائبة، أصابت الإنسانية في مقتل.. هي المعضلة الأزلية منذ أن التفت الإنسان إلى الوراء غائصاً في أتون الماضي، ومنذ أن نظر إلى الفضاء متشبثاً بالمستقبل، متجاوزاً حدود اللحظة الفاصلة بين الزمنين.. يقول الفيلسوف الروائي العتيد “زينون” إنه متى ما غابت عن الإنسان يقظة المصالحة مع اللحظة الراهنة أصبح رهين حزن الماضي وقلق المستقبل، ما يفوت عليه فرصة العيش حياة هانئة مستقرة، آمنة.. المتعلقون في العقائد إلى درجة هجران العقل والمتشبثون بخيال المستقبل وصوره الوهمية يصبحون عبيداً لكائنين زمنيين وهميين يستوليان على العقل ويشلان قدرته على التفكير ويحطمان قارب نجاته من الهلاك المريع.. اليوم نلاحظ هذا التعلق بصور مختلفة ومتعددة، فالشخص الذي يفقد عزيزاً يظل يحوم في دائرة الحزن المغلقة إلى أبد الآبدين، ينعى ويئن حتى مماته رغم يقينه أن هذا الشخص المفقود هالك لا محالة، ولكل أجل كتاب، لكنه يتجاوز هذه الحقيقة، حقيقة الفناء المؤكد لكل كائن حي.. كما أن أصحاب المعتقدات يمارسون جلد الذات والخضوع لعبودية معتقد وهمي، ويشعلون الحروب ويقيمون الدنيا ولا يدعون لها مقرا لأنهم متعلقون، متشبثون بفكرة قد تكون صائبة وقد تكون خائبة، لكنهم لا يقبلون النقاش حولها لأن هذه الفكرة مع التراكم الزمني أصبحت من الكيان، بل وجزءاً جوهرياً من الذات، وكأن من يحاول الاقتراب بهذه الفكرة لدحضها أو حتى مناقشتها يمارس عملاً انتحارياً ضد الفكرة التي هي من الذات، كالغصن من الجذر وإذا كان العالم قد تطور تطوراً مذهلاً في مجال المادة تبقى الروح البشرية تعاني من عقدة التعلق الذي هو وليد تخلف في وجدان لم يستطع بعد ملاحقة المادة المتطورة، الأمر الذي يستوي عملاً بشرياً شاقاً ومضنياً يقوم على أساس الثورة والوجدان التي تحرر الإنسان من اضطهاد الفكرة الراسخة وتخلصه من وهدة المعاناة الأزلية وهو يعيش تحت سلطة زمنين لا تضع بهما لو تحققتا من أذى سطوتهما على الذات.. ورفض التعلق لا يعني تجريد الإنسان من مشاعره لا تجاه الماضي ولا المستقبل، وإنما كسر التابو المخيف الذي يغلل فكر الإنسان بأصفاد وهمية تعمي بصره عن قراءة الماضي والمستقبل بشكل صحيح ومنطقي يحررانه من غيبوبة واقعين “ماضي ومستقبل” أصبح من الضرورة للإنسان المتحضر أن يعالج مشاكلهما بعقل قدير وفكر بصير وإرادة تتأزر بطاقة نفسية خالية من الشوائب والخرائب والمصائب والغرائب والعجائب.. يجب أن نستفيد من معطيات الماضي في حدود إنارة الحاضرة، ويجب أن نطمح إلى المستقبل في حدود تثبيت أقدامنا على أرضية الواقع، أما التعلق فذاك المرض والمعضلة.



Uae88999@gmail.com