الآن بانت سعاد، بالحل والحلل، والخضاب المدلل، وما خفي أعظم وأغم وأسقم.. لماذا؟
ما يجري في زمن الثورات العربية، لا يهمنا لا من قريب أو بعيد، هذا النظام أو ذاك، بل كل ما يهمنا أن هذه الأوطان التي شهدت ما يشبه الزلازل، قد ظهر دخانها لكنه للأسف ليس أبيض، إنه الدخان المغتم العديم، الذاهب بعيداً نحو غايات كانت شبه رمادية، فأضحت اليوم واضحة البيان للعيان، ولا أحد يستطيع أن يقول لا أعلم.. فالخبر اليقين عند جهينة الانتخابات المصرية.
الإخوان في بداية “الثورة” تحدثوا بورع الناسك المتعبد، وابتعدوا وأبعدوا كوادرهم عن الأضواء، دافعين وبكل قوة شباب مصر نحو النيران والأحزان، ولما نضجت التفاحة، رفع الإخوان رؤوسهم، فبعد أن كانوا يصرحون أنهم لن يخوضوا انتخابات الرئاسة، وسيتركونها إلى الشعب يختار من يريد من رموزه، تغيَّرت الرياح لدى الإخوان، واتجهت عقارب الساعة باتجاه قصر الرئاسة، لماذا؟ لأن الإخوان يتصرفون بدهاء الخبير المجرب، ويعرفون جيداً من أين تُؤكل الكتف، ويعرفون جيداً كيف يمضغون الطعام قبل هضمه حتى لا يصابوا بعسر الهضم.
فجاءهم النداء الآلي من الكبير المصرح، ليأمرهم بدخول الانتخابات لأن هذا يومهم، وهذه فرصتهم، وهذه القفزة التي يجب أن ينفذوها بحنكة وفطنة حتى لا يفوتهم القطار كما قال علي صالح الرئيس اليمني السابق.
وقطار الإخوان ذكي، ويقود عرباته من تحت الأرض، ولا يخرج للعلن إلا بعد أن يضمن وصوله إلى المحطة الأخيرة، الأمر الذي يجعلهم يسبقون غيرهم في تحقيق المآرب، وتنفيذ الأجندات بدقة متناهية، ويحققون ما يريدون بأقل جهد.. ولكن بعد تنفيذ المهمة، ما اللون الذي يريدونه؟ وما الوجه الذي يريدون أن يكشفوا عنه؟ هذا السؤال يحتاج إلى محلل نفسي يعرف كيف يدرس الحالة، وتاريخها وتفاصيلها، ومن التجربة التاريخية لا لون لهؤلاء غير لون طالبان، ولا حياة سياسية واقتصادية واجتماعية غير أفغانستان، إذاً فالصراخ والزعيق والنعيق الذي عجّت به حناجر كل القوى الوطنية المناصرة لهذا النهوض غير المفهوم، مجرد عواء في خواء، ولن يكتب له في دفتر التاريخ غير الحواشي والهوامش.. فالمطلوب لدى الإخوان هو الوصول إلى السلطة وبأي ثمن ولا ثابت لديهم غير التفريط بالثوابت، ما يجعل حركتهم مطاطية، لا مقبض لها ولا مربض، المهم السلطة ولا شيء غير السلطة، أما ما يطرح فهو مجرد بهارات وتوابل، لتحسين طعم “حرقة السحناة”، وعلى الآخرين، أن يفهموا ويستوعبوا لعبة الشطرنج، قبل أن تقع الفأس في الرأس، وتضيع الأوطان في غمضة عين، وتتيه المنجزات الوطنية في فضاءات مغبرة، مصفرة بتراب الشعارات فقط.. وبعدها لا ينفع الندم، ولا يفيد البكاء على اللبن المسكوب.


marafea@emi.ae