بالتأكيد لست في محل الحكم على أذواق الآخرين، وعلى حد علمي أنه لا يوجد أي شخص آخر على وجه الأرض يملك هذا الحق؛ ولكن هل حقا يمكن أن يتكون ذوق لدى أحد دون أن يكون قد توصل إليه عبر تجربة أذواق أخرى؟! كيف يمكن لأي منا أن يحكم على أمر ما بأنه الأفضل، دون أن يكون قد تعرف على غيره؟!

أصحاب هذا التوجه «كثر» حولنا؛ و»اختلاف الذائقة» حجة غير موفقة إطلاقا لتبرير الطريقة التي يقَيمون بها الأعمال في الأدب والفن، فلأمر لا يعود إلى الذائقة الأدبية، وإنما إلى الضائقة التي يعيشون فيها، ويأبون الخروج منها لأفق العالم الرحب، بكل ما فيه من تنوعات كفيلة بترقية أذواقهم.

إن الأدب بأشكاله والموسيقى بألوانها وكافة أنواع الفنون على اختلافها تحتاج إلى حساسية مرهفة لالتقاط نقاط الجمال فيها، وبين الانتباه والشعور بها والتفاعل معها درجات لا حصر لها، لعلها أكثر تعقيدا من درجات تحليل الضوء؛ وبالتأكيد نحن البشر نختلف في تعاطينا وتعاملنا مع تلك الدرجات، كأن نصيب شيئا ونترك غيره؛ وهذا أيضا يعود لأسباب، منها استعدادنا النفسي في لحظة الانتباه، ومكوننا الثقافي وانفتاحنا لما يمكن أن نلتقطه، وغيرها من الأسباب التي لا حصر لها؛ إذا فالذائقة الإنسانية حس لا يمكن توقعه أو السيطرة عليه، ولكن يمكن ترقيته، بزيادة الإطلاع والتركيز في المختلف.

كم تستفزني أحكام البعض (الذين أصبحوا كثرا) على رواية لم يكلفوا أنفسهم قراءة أربع صفحات منها، أو عمل درامي التقطوا منه أقل من حلقتين، وهكذا؛ ثم يطلقون صفات الاستخفاف والتحقير عليه، بل وقد يهاجمونه، بينما الحقيقة أنهم وضعوا ذائقتهم في ضائقة وأغلقوا عليها بجملة بلادتهم وضيق أفقهم.

******
أكتب دوما عن أعمال قرأتها فأعجبتني، بينما ما لا يعجبني أفضل عدم الكتابة فيه؛ لأسباب عدة، منها احتمالية تغيير وجهة نظري نحو العمل لو تكررت قراءته في ظرف آخر، وأن ذائقتي الأدبية قد تكون في ضائقة نفسية، وأن قناعتي أن ما لا يعجبني، قد يعجب ملايين غيري؛ وفي النهاية، هو عمل تكبد صاحبه مشقة إنتاجه، فيما قرر آخرون الاكتفاء بالمشاهدة والتبجح على من عمل.

Als.almenhaly@admedia.ae