تتداخل الأحداث أمام بصيرة الفنان التشكيلي فيتحرك نحو الصمت، باحثاً عن الحقيقة، تطول لحظات الصمت في بعض الأحيان، وقد يبتر الشك بفكر الفنان لكنه يظل ملتزماً بالصمت، لأن البصيرة سجلت كل تلك الأحداث، وبقيت عملية الفرز والتحليل. أثناء عملية الفرز والتحليل، تتكرر الأحداث ويسمع الفنان صوت الحقيقة الضائعة بين أصوات الغضب والثورة، حينها ينزع الفنان قناع الصمت ويبدأ بالتحدث عبر المنتج الفني، يمسك الفنان بالآلة الحادة، ليكون دوائر مفعمة بالشك واليقين ومملوءة بصمت الكلام. يستغل الفنان عناصر صامتة من الطبيعة، مثل الصخور والأخشاب، ويملأ بها الفراغ المحيط بالفنان، لأن الفنان يعبر عن مخزون متراكم في داخله، فكما يقول عالم النفس الياباني “ساكورا باياشي”: “إن الفنان يبدع أشياء مبتكرة من ملاحظة أشياء مألوفة من خلال التخفف من وطأة العلاقات الاعتيادية واستبدالها بعلاقات جديدة”، هذه العلاقات الجديدة تمثل عملية دمج بين الصمت والفراغ، فالصمت الناتج من تعرض الفنان لصدمة نفسية تطول بالنسبة للإنسان العادي، بينما لدى الفنان تتحول إلى ردة فعل يبثها الفنان عبر رسالة داخل ظرف مفتوح للمشاهد، هذا الظرف المفتوح يحتل حيزاً من الفراغ الصامت في الطبيعة. في عام 1928 رسم الفنان ماغريت رسما لغليون وكتب تحته “هذا ليس غليوناً”، تناقض واضح ولكنه ناتج بعد صمت طويل، صمت حث الفنان ماغريت على إنكار حقيقة الصورة، هذا الإنكار ناتج بعد عملية الفرز والتحليل للأحداث التي يتعايش وعاش معها الفنان، فهو مدرك أهمية الصمت، فتجد ماغريت يتلاعب بالرؤية، كأن الصورة تناقض الحرف، لم يتطرق إلى الكلام لأنه في حالة صمت، ولكنه تحدث عبر الصورة والحرف وكلاهما يناقض الآخر، يطرح الفنان ماغريت فكرة إنكار الحقيقة، ومحاولة التخفي لأغراض شخصية، لا يفهمها غير الشخص المنكر للواقع، قد يكون هذا الإنكار لأغراض سياسية أو اقتصادية أو قد تكون عادة تعلمها الفرد منذ الصغر فأصبحت جزءاً من ثقافته. يتعمد الفنان إلى استخدام لغة صمت الكلام، لأن الرؤية أبلغ في التعبير عن العمق الفكري للمنتج الفني، وهي اللغة القادرة على وضع المشاهد بين العالم المرئي وغير المرئي، وهي اللغة التي تضع المشاهد على صخرة بالقرب من الشاطئ، وتجبره على غلق جفونه، وتنفس نسيم البحر، والإحساس بمداعبة الموج لأصابع قدميه، فيشعر بدفء الحقيقة النابعة من قلب الطبيعة، بعد لحظات الصمت يطير المشاهد على ظهر الفنان، بعيداً حيث سرب الطيور المغردة بالحرية. الصمت الذي يفرشه الفنان للمشاهد، يعلم المشاهد كيف يبحث عن السعادة بعيداً عن الأكاذيب اللغوية الصادرة من الأفراد المرتدين أقنعة الحب والوفاء، لن تسطيع الغيوم أن تغطي النجوم المتلألئة في السماء وإن خوفتنا بصوت الرعد، وأمطرت علينا بذرات المطر، فذرات المطر لن تشبع تعطش البشرية للحقيقة. قد يفشل الفنان في عملية البحث عن الحقيقة عبر الصمت، ولكنه مدرك أن الصمت هو الوسيلة الفضلى لإيجاد الحقيقة، وإن تجمدت حواس الفنان أثناء الصمت. science_97@yahoo.com