- 1 - كتب الشاعر اللبناني الفرنكوفوني صلاح ستيتية بحثاً في الشعر ومعنى القصيدة سمّاه “الشعر الخلاص”، يفتتحه بقول لفلوبير هو: “إن المدنية تاريخ معاكس للشعر” وينتهي من خلاله الى القول إنه في تراكم المعرفة والاختراعات وكلبيّة ما آلت إليه الحداثة وما بعدها من موت بل سحق للإنسان، لا خلاص لنا إلا بالشعر: “.. إن لإنسان الشعر حقاً في أصل يكون له، يواجه به الثقافات، وحقاً في طبيعة هي طبيعته يواجه بها ترف الأشياء الفعّالة، وحقاً أساسياً في فقر يكون وليداً لموته المستقبل، يواجه به ما يكون للقول من أشكال تتعدد، وحقاً في هجمة من الكلام يكون له بها حياة” (ترجمة أحمد حاطوم). - 2 - في مطلع العام الجاري 2010 استأنف صلاح ستيتية حواره حول الشعر من خلال مقدمة كتبها لدواوينه الخمسة الأولى وخمسة من أبحاثه المختارة، صدرت جميعها في مجلّد واحد من أربعة أجزاء عن دار روبير لافون (Robert Laffont) في باريس، في ما يزيد على الألف ومائة صفحة، تُقدم لنا عدّة وافية لترسُّم ملامح نص ستيتية الشعري وتقديم قراءة له. صدرت مع مقدمة الشاعر وفي المجلس نفسه، قراءات أخرى لشعراء ونقاد فرنسيين، وهي تقدم اجتهادات حول شعر هذا الشاعر، الصعب، اللغوي، المشرقي، الذي غزا من مسقط رأسه في بيروت، ومن خلال ذاكرته العربية الإسلامية، اللغة الفرنسية في عقر دارها، وبأداتها المعرفية التي هي اللغة الفرنسية ذاتها. وقد أثارت أشعار وأبحاث ستيتية الشعرية، وأبحاثه النثرية ومن بينها كتابه “أور في الشعر” (الصادر العام 1980 عن دار Stock - Mmde Owert باريس)، في نفسي لدى قراءتها، أسئلة هي التالية: أولاً: هل شعر صلاح ستيتية بالفرنسية فتح حواراً جديداً بين عالمين أم استأنف حواراً قديماً؟ هل هو شعر وسيط، متوسطي؟ هل هو شعر مصالحة أم شعر غزو؟ هل هو سفارة عربية إسلامية في أرض فرنسية؟ هل استأنف ما كان فعله جورج شحادة وفؤاد غبريال نفاّع و?ينوس الخوري غاتا وفؤاد أبي زيد وسواهم من شعراء لبنانيين بالفرنسية؟ هل فعل شعره ما فعله كاتب ياسين ومالك حداد ومحمد خير الدين الذين غزونا بأدواتهم نفسها: اللغة والثقافة؟ ثانياً: السؤال الثاني حول شعره بالذات، فهو شعر خاص ملتبس متحرك في عتمة غسقية لا تكشف كلماته عن الوجود بمقدار ما تحجبه، ولا تحاول نطق الوجود إلا بمقدار ما تلعثمه وتدخله في العدم. شعر صلاح طالع من مرجل لغوي فائر، واللغة بين يديه ضوء ولكنها طلسم في وقت واحد. اللغة ليست مكان اليقين الذي يمكن أن نطمئن إليه، ولكنها تنطوي على مخاضها والتباساتها الكثيرة. ذلك ما يتضمن دقة وحراجة البحث عن صلة تربط بين أصول هذا الشاعر التاريخية والمعرفية وبين علامات ذلك في شعره بالذات.. فهو شاعر يبتكر تاريخه في اللغة أكثر مما يتذكر هذا التاريخ.